الخميس، 30 مايو 2013

ويسألونك عن خيّال العوجاء "أخو من أطاع الله"

ويسألونك عن خيّال العوجاء "أخو من أطاع الله"

محمد بن عبدالله الخيال
    يحفل تراثنا بفرائد تحتاج منا إلى التدقيق والتفسير ليتتضح معناها الجليل وتعم فائدتها الجميع ومنها خيال العوجاء. حيث تساءل البعض عن ماهية جذور هذه النخوة الدينية، في حين أشار بعض المحققين الى أن هذه النخوة تطورت مع الأيام وعدلت على مر السنين فأصبحت: "خيال التوحيد أخو من أطاع الله" بدلاً من "خيال العوجاء أخو من أطاع الله".
فلماذا عدلت؟ وهل يعني خيال التوحيد نفس معنى خيال العوجاء؟
قلت: الجواب نعم. ولنمعن النظر في ذلك..
يقول الشيخ عبدالله بن خميس في "معجم اليمامة"(424/1):
"فما هي هذه (العوجاء؟) ... لقد قال بعض الناس حينما دعا الشيخ محمد بن عبدالوهاب دعوته السلفية... قالوا انها دعوة عوجاء!! فقال أبطال آل سعود، وقال أهل (الدرعية) وقال أهل (العارض) معهم: نحن أهل (العوجاء) ... إمعاناً في الإيمان لهذه الدعوة وتصديقاً لها وتحقيقاً للمتابعة المخلصة، وإشارة يردون بها على المكذبين والمعاندين والمعارضين بأنكم سوف تعلمون غداً حقيقة هذه الدعوة (العوجاء) بزعمكم حينما يظهرها الله وينصرها ويمكن لها في الأرض". انتهى.
وفي صحيح البخاري (747/2، 1831/4وحديث رقم 2018ورقم 4558) عن يسار بن عطاء قال: لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً). وحرز للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً.
قلت وبالله التوفيق: قال ابن منظور - رحمه الله تعالى - مؤلف "لسان العرب" في تعليل "الملة العوجاء" ما نصه (332/2):
"ومنه الحديث: حتى تقيم به الملة العوجاء، يعني ملة إبراهيم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام التي غيرتها العرب عن استقامتها".
كما قال ابن منظور في تعليل "الملة الحنيفية" ما نصه: "الحنف الاعوجاج في الرجل، وقال: الحنيف، المسلم الذي يتحنف عن الأديان أي يميل إلى الحق، وقيل هو الذي يستقبل البيت الحرام على ملة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام". انتهى.
قال أبو منصور الأزهري: "معنى الحنيفية في الإسلام الميل إليه والإقامة على عقده، والحنيف: الصحيح الميل إلى الإسلام والثبات عليه". انتهى.
هذا ما ورد في الحديث ومعاجم اللغة العربية من تفسيرات لغوية عن الملة العوجاء، الملة الحنيفية، ملة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وهي جميعاً تصب في نفس المعنى المقصود به توحيد الألوهية، وإنكار عبادة الأوثان والكفر بالطاغوت ونبذ العادات الجاهلية.
ذكر الله تعالى خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بآيات مفصلات في صورة البقرة (من أول الآية 124):
(وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين@ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود@ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير@ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم@ ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم@ ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم@ ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين@ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين@ ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون@ أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحداً ونحن له مسلمون@ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون@ وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) صدق لله العظيم.
وقد اعتنى الشعراء بتمجيد تلك النخوة الدينية المشهورة في الأهازيج الحربية التي كانت ترددها جيوش المجاهدين الأشاوس في ساحات المعارك:
"حنا أهل العوجاء مروية السنين"
كما اشتهرت تلك الصفة بين شعراء القبائل العربية بان أهل العوجاء هم جيوش الدعوة السلفية من حاضرة وبادية.
قال الشيخ عبدالله بن خميس من قصيدة حربية:
له السيف من وادي حنيفة مصلت
تناغيه أبطال حماة بواتع
أجادوا فنون الحرب من عهد تبع
كأن المنايا إن لقوها مراضع
إذا سمعوا (العوجا) تداعوا كأنهم
ظماء دعتها للورود شرائع
كما ترددت تلك النخوة كثيراً في الشعر الملحون ومنه قول الشاعر الحماسي الكبير محمد العوني:
مني عليكم يا هل العوجا سلام
واختص أبو تركي عمي عين الحريب
إلى أن قال:
أكرم هل العوجا مقابيس الظلام
هم درعك الضافي إلى بار الصحيب
عينك إلى سهرت يعافون المنام
غش لغيرك وأنت لك مثل الحليب

الأربعاء، 29 مايو 2013

جولة ربيعية حول ثهلان والكلاب والرشاء والبدي (1-2)- لمحمد الخيال

 
جولة ربيعية حول ثهلان والكلاب والرشاء والبدي (1-2)- لمحمد الخيال
 
تعرفت على أبرز الأعلام بمنطقة الشريف بعالية نجد برفقة الأستاذ محمد بن سيف جزاه الله خيرا احد أبناء بلدة الشعراء حيث أوقفني على جبلها العظيم ثهلان وواديها الخصيب المسمى قديما الكلاب ، والأعلام المشهورة حول ميدان معركة يوم الكلاب الثاني ومنها حذنة ومجيرة وتيمن والكلاب والرفايع ووادي الرشاء وشطب والبدي وخنوقة وبحار ووادي التسرير ووادي الرمادية وأبو دخن وعروى والبجادية والنضادية والنير ونطاق وما حولهم من الأرياف الساحرة .
وبقراءة الأدبيات البلدانية القديمة والحديثة وروايات أيام العرب الأولى نجد أن هذه الأماكن تذكرنا بموضوعين لهما علاقة بعالية نجد :
الأول: ميدان المعركة التي حدثت في يوم الكلاب الثاني والتي تمثلت في دفاع بني تميم ضد غزو بعض قبائل اليمن وشواهد الأماكن في الشعر الذي قيل عن تلك المعركة.


صوره توضح موقع وادي الكلاب-الشعراء
والثاني : بيت من الشعر ينسب للشاعر المخضرم لبيد بن ربيعة العامري رحمه الله وهو :
لاقَى البَدِي الكُلابَ فاعتلجَا ** مَوْجُ أَتِيَّيْهِما لِمَنْ غَلَبَا
وسوف أتناول مناقشة معطيات الشواهد ومقاربة النصوص وتعريف الأماكن وآراء البلدانيين بحيث تتضح لنا الصورة الجميلة والشاعريه التي رسمها الشاعر لبيد بن ربيعة العامري لوادي الكلاب بمنطقة الشريف بعالية نجد وكيف دعدع سرة الرشاء كما دعدع ساقي الأعاجم الغربا .




صوره توضيحيه اجتهاديه توضح الوادي وما حوله من اعلام
ولنبدأ بوصف أبو علي الهجري رحمه الله لمعالم المنطقة حيث قال :» وسألت الباهلي عن تيمن فقال : هضبة برأس الذَرو ذرو الشريف ، مغرب الشمس من حصن ابن عصام بيوم ، وسيل تيمن يصب على الكلاب . والكلاب واد به نخل وسدر وطلح ، وبجانب الكلاب ثهلان جبل عظيم ، علم أَسود به الوحوش ، عرضه يوم .» و قال ايضا : تيمن : بلد من شق الكلاب.» انتهى.(1) وهذا الوصف واضح وضوح الشمس .


جبل ثهلان

ثهلان من الجهه الشرقيه ممايوالي الكلاب
و تَيْمَنُ هذه هي التي تسمى في الوقت الحاضر هضبة تيما وتقع جنوب بلدة الشعراء في أعالي وادي الكلاب وهي إحدى الشواهد على ميدان معركة يوم الكلاب الثاني، حيث حلت الهزيمة على الغزاة في موقعة الكلاب فيما بين هضاب تيمن وحذنة ومجيرات وجبل ثهلان . فلجأ وعلة الجرمي حامل لواء الغزاة إلى هضبة تيمن معتصما بها وقال أبيات من الشعر مشهورة ، يذكر تيمن وحذنة وهن من أعلام ميدان المعركة:
نجوت نجاءً ليس فيه وتيرة ** كأني عقابٌ عند تَيْمَن َكاسرُ
كأنا وقد حالت حذُنُة دوننا**َ نعامٌ تَلاه فارسٌ مُتواتر‏




هضبة تيماء ( تيمن قديما )


جبل حذنه (الحذني)


مجيرات

وقال محرز بن المكعبر الضبي التميمي يذكر حذنة ومجيرات وهن من أعلام ميدان المعركة :
دارت رحانا قليلاً ثم صبحهم ** ضرب تصيح منه حلة الهام
ظلت ضباع مجيرات يلذن بهم ** وألحموهن منهم أي إلحام
حتى حذنة لم تترك بها ضبعا ** إلا لها جزر من شلو مقدام
وقال الهمداني رحمه الله :» ومما يصالي الحمى (حمى ضرية) : بطن الرشاء وهو بظهر ثهلان إلى ذات النطاق ، ومن مياه ثهلان ذو يقن وذو قلحا والريان والكلاب والشعرا ، وأسفل من ذلك ذرو الشريف وغلانه ومياهه .» انتهى.(2)
وقال ياقوت في معجم البلدان : «وقال ابو زياد : الكلاب اسم واد يسلك بين ظهري ثهلان .» انتهى (3)
و هنا مختصر ماورد في روايات يوم الكلاب الثاني حيث أشار النعمان بن الحسحاس على قومه تميم فقال : يا قوم انظروا ماء يجمعكم ...... ولا أعلم ماء يجمعكم إلا قدة . فارتحلوا وانزلوا قدة - وهو موضع يقال له الكلاب - . فلما سمع أكثم بن صيفي كلام النعمان قال هذا هو الرأي فارتحلوا حتى نزلوا الكلاب وبين أدناه وأقصاه مسيرة يوم وأعلاه مما يلي اليمن ،.........
وسوف نستعرض باختصار مفيد ما قاله البلدانيون عن وادي الكلاب وشواهده بعالية نجد:
1 – أجمع كل من أبو علي الهجري وأبو زياد الكلابي والهمداني ومحمد بن أبي حفصة والأصفهاني وسعد بن جنيدل مؤلف «معجم عالية نجد» على ان وادي الكلاب يقع بظهراني ثهلان ، أعلاه مما يلي هضبة تيمن وأسفله يسيل بوادي الرشاء. وهو ماغلب عليه في الوقت الحاضر مسمى وادي الشعراء .
2 – الشيخ محمد بن بليهد مؤلف «صحيح الأخبار» حام حول حمى الكلاب ولم يقع فيه حيث ذكر أن وادي الكلبة من روافد وادي الكلاب ولكنه صرف النظر عن ذلك فيما بعد ، واختار وادي عصيل ليصله بوادي السرة ومن ثم وادي الركاء.
3 – أما الأستاذ عبدالله الشايع مؤلف الكتاب الثاني من « نظرات في معاجم البلدان» فقد حام في سواد باهلة شرقا عن حمى الكلاب ولم يقع فيه. وحبر جزاه الله خيرا ما يزيد عن مائتين صفحة من الأدبيات البلدانية الممتعة خصصها في البحث عن ماءة قدة، وجبال القد . وكانت نتيجة البحث استبدال مسمى عرض شمام المشهور أو عرض سواد باهلة ليصبح وادي الكلاب . ولو ان الأستاذ الشايع وفقه الله تحرى ماءة قدة عند الرفايع في جوف وادي الكلاب وحضن ثهلان لكان أرجح وأقرب وأوفق. حيث إن بئر الرفايع مشهورة بغزارة المياه وعذوبة الطعم، وكانت معطانا وريفا عذيا للبادية على مر القرون. وهي بئر جاهلية تم إعادة حفرها من قبل سكانها الأكارم.


بير الحزيميه بقصر الرفايع لعائله العجاجي
4 – لم يفرق الشيخان ابن بليهد وابن جنيدل بين يوم الكلاب الأول الواقع بين البصرة والكوفة ويوم الكلاب الثاني الواقع بجوار جبل ثهلان واشتبها عليهما . ولكن ياقوت الحموي والشيخ حمد الجاسر والأستاذ عبدالله الشايع أفاضوا في التفريق بينهما بما لا يدع مجالا للخلط بينهما مستقبلا .
هذا ما أحببت ذكره في هذه اللمحة من البحث بخصوص وادي الكلاب بعالية نجد المسمى حاليا وادي الشعراء . شاكرا لكم سعة البال . واستميح العذر ممن له رأي يخالف النصوص البلدانية القديمة المذكورة والشواهد الشعرية المأثورة عن ميدان المعركة.
وإلى لقاء قادم إن شاء الله لمناقشة الأمكنة الواردة في قصيدة لبيد بن ربيعة العامري رحمه الله التي ذكر فيها التقاء سيول واديي البدي والكلاب، ووصف فيها عظمة السيول التي هطلت بغزارة وهو يرقبها في وقته وأثارت فضول كثير من البلدانيين فيما بعده. وهذا مطلعها الجميل :
ياهل ترى البرق بت أرقبه * * يزجي حبياً إذا خبا ثقبا
(1) نوادر وتعليقات الهجري
(2) صفة جزيرة العرب
(3) معجم البلدان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ

هذا رابط الموضوع بجريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/2011/06/03/article638172.html

دمتم بود

رحلتي مع التاريخ من درعية الشرقية إلى درعية اليمامة عبر درب الجودي

أصل الموضوع مقال نشر لي في جريدة الرياض

على هذا الرابط
http://www.alriyadh.com/2008/11/07/article386011.html


في أرض بلادنا

رحلتي مع التاريخ من درعية الشرقية إلى درعية اليمامة عبر درب الجودي (1-2)

أ. محمد بن عبد الله الخيال
قبل البدء في الحديث عن الرحلة يجدر بنا التحقق عن موقع درعية الشرقية في جهات الظهران وتصحيح ماورد من سبقات القلم في تحديد موقعها. والشكر موصول لمشايخنا وأساتذتنا الذين أكرمونا ببحوثهم وأناروا لنا جادة السبيل.
قال الأستاذ محمد الفهد العيسى: "اما الأمر الأول فاننا نجد اسم الدرعية في تلك الناحية من جهات القطيف، ولكنها ليست بلدة الآن، وإنما هي مكان فيه آثار نخل وفيه ماء قديم ثم حفر فيه حديثا بئر بآلة الحفر الحديثة، وتقع الدرعية هذه جنوب بقيق وغرب الظهران بميل نحو الجنوب، وتبعد عن بقيق بما يقارب عشرين ميلا (اثنان وثلاثون كيلا)".
1- قلت وبالله التوفيق: إن درعية الشرقية تقع شمال بقيق بما يقارب اثنين وثلاثين كيلا وليست جنوب بقيق. كما أنها ليست قريبة من واحة القطيف بل تبعد غربا عنها مايقارب من ثمانين كيلا .
أما ما قاله الشيخ حمد الجاسر عن درعية المنطقة الشرقية: انها "آبار ارتوازية تقع في الشمال الشرقي من مدينة بقيق، جنوب سبخة تدعى (أبا الدفوف) غرب مطار الظهران، بينهما جيب عويِد.. وهو سبخة تعتبر امتداداً للمنخفض الممتد شمالاً من ساحل دوحة ظلوم .
ويقال: إن الدرعية هذه هي المكان الذي قدم منه ابن درع جد الأسرة الكريمة آل سعود إلى وادي حنيفة في القرن التاسع الهجري. وتقع الدرعية بقرب (خط الطول 40- 49وخط العرض 14- 26).. وكان اسم الدرعية قبل حفر الآبار الارتوازية حديثاً يطلق على مكان فيه ماءُ قديم، وآثار عمران قديم".
2-قلت وبالله التوفيق: تقع الدرعية شمال سبخة (أبا الدفوف) وليست جنوبها، بل هي جنوب سبخة الضبية، وبقرب (خط العرض 20- 26). كما أن جد الأسرة الكريمة آل سعود الذي قدم من الدرعية هو الأمير مانع المريدي.
وأخيرا وليس آخرا لنتمعن ما قاله الشيخ أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري في افتتاحية مجلة الدرعية، العدد الأول: "والمؤكد أن نسبة الدرعية إلى آل درع الذين سكنوها.. وأما القول بأنها حملت اسم الدرعية في جهة من جهات القطيف فلا يزال مجرد دعوى.
و لا تكفي دلالة وجود علم مكاني في جهات القطيف اسمه الدرعية دليلاً على أن درعية وادي حنيفة أخذت اسم ذلك العلم بعد اندثاره، بل لا بد من دليل على أن آل درع سكنوه ثم غادروه إلى وادي حنيفة.. " 3- قلت وبالله التوفيق: لقد نظرت في كتب اللغة ومنها "لسان العرب" لابن منظور و"تهذيب اللغة" لأبي منصور الأزهري، فوجدت تعريف "الدرعاء" وهو كل ما اسّود مقدمه وسائره أبيض أو العكس .
إن ناحية الدرعية تقع فيما بين الجهة الغربية من البيضاء والجهة الشرقية من السودة وتلامس الناحية الشمالية من الجوف بالمنطقة الشرقية ويحدها من الشمال سبخة الضبية.
مما سبق يتضح أن درعية الشرقية لم تكتسب اسمها من نسبتها الى آل درع بل اكتسبت اسمها من موقع أرضها وطبيعته، حيث سميت بهذا الاسم لتوسطها بين بيضاء الخط ومنطقة السودة ووادي المياه المسمى قديما بالستارين، وتميز طبيعة أرضها من كثرة الكثبان الرملية البيضاء مع الوهاد المعتمة اللون.
والشواهد على تعليل اكتساب بعض الأماكن مسمياتها من طبيعة أرضها كثيرة، منها على سبيل المثال: الخرجاء، البرقاء، العيون، الرياض، شقراء، بينونه، الأحساء، الجوف، جو، الحاير، القارة، البيضاء، السودة، القصيم، الحجاز، الأفلاج، السيح والأسياح. فجميع مسميات هذه الأماكن لها من طبيعة أرضها حظ ودلالة.
أما شواهد استبدال الألف بالياء فمنها على سبيل المثال: بلدة قران أصبح اسمها القرينة، وحرملاء اصبحت حريملاء، وتؤم أصبحت التويم، والطربال أصبحت الطريبيل.
ومن جميل الصدف أن نقرأ ما قاله الشيخ حمد الجاسر عن تلك الناحية في المعجم الجغرافي للمنطقة الشرقية (البحرين سابقا) بما نصه: "وقد لمح في خاطري تعليل لإطلاق اسم السودة على هذه الأرض، أعرضه على القارئ، بدون أن أقطع بصحته، هو أن الأرض المتاخمة لساحل البحر، الممتدة من شمال واحة الأحساء حتى قرب رأس الخفجي، لها مظهران بارزان: ما قرب من الشاطئ تكثر فيه الرمال، فيبدوا للناظر صافي اللون، (مائل) إلى البياض، ولهذا أطلق عليه اسم البيضاء، بيضاء الخط، أو بيضاء بني جذيمة (بن عبد القيس).
و ما حاذى هذه الأرض غربا الأغوار والمنخفضات التي تكثر مياهها وأشجارها فيخالف لونها لون الأرض الواقعة شرقها، ولهذا أطلق عليها السودة - مقابل البيضاء - وإن لم تتفق الكلمتان وزنا فهما متقاربتان معنى."انتهى.
4- ويقول الشيخ حمد الجاسر أيضا في "المعجم الجغرافي للمنطقة الشرقية" ما نصه: "و يظهر أن اسم البيضاء أطلق على هذه المنطقة لأن أبرز معالمها كثرة الرمال البيضاء فيها إذ تقع بين منطقتين مختلفتي التكوين. فالمنطقة الواقعة غربها تتكون من أراضي منخفضة، وتكثر فيها الآكام والهضاب، والمستنقعات التي تغذي أرضها بمياه العيون الكثيرة، وهذه المنطقة التي كانت تعرف أيضا باسم الستارين، وتعرف الآن باسم الجوف ووادي المياه .
و يستطرد قائلا: "أما طبيعة أرض البيضاء فهي طيب تربتها لارتفاعها عن مستوى البحر، وكثرة رمالها، وتنوع ما ينبت فيها من الشجر والعشب إبان الخصب ونزول الأمطار. ثم أن الأحساء تكثر فيها، والماء فيها قريب من سطح الأرض، ولهذا كان المرء - إلى عهد قريب منذ أن يرتفع عن سواد الأحساء حتى يقرب من دوحة بلبول شمال ميناء الجبيل - لا يفارق نظره مرآى صيران النخيل الكثيرة، النامية في تلك الأرض، بدون غرس أو رعاية، ولكن من آثار العمران القديم الذي لا شك أن لتنقل الرمال من مكان إلى مكان أثر في زواله."انتهى .
5-كما قال الأزهري في "تهذيب اللغة" ما نصه: "و بيضاء بني جذيمة في حدود الخط، بالبحرين، كانت لعبدالقيس وبني جذيمة، وفيها نخيل كثيرة، وأحساء عذبة، وآطام جمة ."انتهى .
6- قلت: وبعد استعراض ماذكره الشيخ حمد الجاسر رحمه الله، وهو من جاس تلك الأماكن وحقق أثارها، يتضح للباحث أن الدرعية ناحية تقع في غرب البيضاء والظهران وشرق السودة ووادي المياه. وهو الموقع الذي استوطنه المريديون قبل انتقالهم الى وادي حنيفة باليمامة.
وقد قمت بعدة رحلات لناحية الدرعية فوجدت صيران النخيل منبثة في تلك الناحية، ولاحظت كثبان الرمال البيضاء منتشرة في كل مكان. والرمال في تلك الناحية أشبه ماتكون برمال الزويليات بالقرب من الخرج إلا أنها بيضاء اللون. وهي أرض جيدة المرعى تكثر فيها شجيرات الغضا والعاذر والأرطى والعرفج والسبط والرمث والثمام وغيرها.
ومنطقة الحبل الواقعة غرب الدرعية من أفضل المراعي للإبل والأنعام، ولذلك فقد كانت حمى لإبل الجيش والجهاد إلى عهد غير بعيد بأمر من أمير الأحساء ابن جلوي. علما إنها كانت في الماضي من ضمن حمى أحد أمراء الدولة العيونية الفضل بن عبدالله العيوني، لجودة نبتها ومراعيها الذي تربو عليها الإبل. والعيونيون من بني عبدالقيس ومعلوم أن بلاد الأحساء كانت تسكنها هذه القبيلة.
وقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد عبدالقيس عند قدومهم للمدينة بما يشبه التزكية وهو يحدث أصحابه حيث قال: "سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق". وأوصى بهم الأنصار حيث قال: "يامعشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشبه الناس بكم في الإسلام، أسلموا طائعين، غير مكرهين، ولا موتورين.(7)
(للبحث صلة)





ثبت المراجع:
1- مجلة العرب، السنة الأولى، الجزء الرابع- مدينة الدرعية.
2- المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، المنطقة الشرقية.
3- مجلة الدرعية، العدد الأول، إفتتاحية المجلة.
4- المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، المنطقة الشرقية.
5- المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، المنطقة الشرقية.
6- تهذيب اللغة، أبو منصور الأزهري.
7- صحيح البخاري

منطقة الخرج كما وصفها الهمداني وأشار لها الأعشى وتغنى بها جرير

مقال بلداني صدر في جريدة الرياض بقلم الأديب راشد العساكر

جولة على أطلال بلاد الخرج ومعالمها الآثارية والتاريخية

كما وصفها الهمداني وأشار لها الأعشى وتغنى بها جرير

ياحبذا الخرج بين الدام والأدمي * فالرمث من برقة الروحان فالغرف

انطلقت الرحلة من الرياض بإتجاه الخرج في يوم الخميس: 17/5/1432ه. الساعة التاسعة والنصف ثم الوصول إلى هناك العاشرة والنصف وكانت هذه الرحلة مكونة من الأساتذة محمد بن عبدالله الخيال وخالد بن سعود المبدل وكاتب هذه السطور وذلك للقيام بجولة بلدانية حول أهم الأماكن التاريخية والأثرية في المنطقة والالتقاء بالأستاذ خالد بن زيد المانع الباحث والمعني بتاريخ هذه المنطقة بصفة خاصة والتراث بصفة عامة.
وكان تركيز المجموعة هو تتبع ما أورده الحسن بن أحمد الهمداني في كتاب صفة جزيرة العرب والمتوفى بعد عام 360ه حيث اخذ معلوماته من أحمد بن محمد بن مالك بن سهل اليشكري اليمامي.
وقد دوّن الهمداني ذلك في كتابه المطبوع (ص 282، 283، 295، 309، وغيرهما).
وزعت عدة صفحات تصويراً من كتابه على فريق الرحلة لمحاولة معرفة الأماكن الواردة بها في هذه المنطقة. منها: الملحاء، رملة المغسل، الضبيعة، المنصف، المنيصف، الخضرمة، السيح، جو، الدام، الأدمى، نساح، الثليماء، رأس الكلب، الأكبشة، العيون، بالإضافة إلى أماكن أخرى

(منطقة الخرج)
وردت في المصادر السعودية المتقدمة كتاريخي ابن غنام وابن بشر وغيرهما.
وكان الاستاذ المانع هو دليل هذه الرحلة وقائدها الذي صحبنا إلى هذه المواقع.
بدأت الجولة من بلدة نعجان التاريخية والتي أشار لها بعض مؤرخي الدولة السعودية الأولى وأصبحت اليوم مزارع متعددة انتقل أهلها عنها قليلاً وزحفوا إلى الناحية الجنوبية منها فنعجان ناحيتها الشمالية قرية الضبيعة وما كان عن الوادي جنوباً فهي المحمدي. ويقسمها عن الضبيعة: وادي العين شمالاً -القادم من عليه والذي يصب في ملحاء- (والملحاء التي أشار لها الهمداني، ص 283، تسمى المليحة: وتقع في حدود نعجان).
مجموعة صور من وادي العين


وللضبيعة ذكر تاريخي لدى المؤرخ ابن غنام في الدولة السعودية الأولى وقد أعيد عمرانها وسكناها بقرب عام 1337ه وانتقلت تلكم الأسر التي كانت تسكنها إلى غيرها من الأماكن حيث ان كثيراً من معالمها القديمة الأثرية اختفت وقام على أنقاضها مبانٍ عديدة في ظل التمدد العمراني والزراعي.
بعد ذلك مررنا بوادي نساح المشهور حيث تنتشر بين جنباته شعاب وأودية وروافد مختلفة تحيط به من الجانبين الشمالي والجنوبي تصب فيه المياه والسيول القادمة من عليه وغيرهما شرقاً.
وأقيمت على جنبات هذا الوادي ورحابه المفترشة مد ناظريه عدد من المزارع والاستراحات والطرق ومنها الطريق الجديد الذي تزمع وزارة المواصلات مده إلى الجهات الغربية من المنطقة إلى بيشة وغيرها.
ثم مررنا على محلة الهياثم وهي كانت محلة ورد ذكرها لدى بعض المؤرخين في أواخر القرن الحادي عشر الهجري.
ثم مررنا بالمنيصف وكانت قديماً من منازل بني عامر بن حنيفة.
وكانت في المنطقة آثار قديمة وعتيقة لكنها دمرت في أزماننا المتأخرة.
ويلاحظ فيها مسجد طيني قديم لا يزال ماثلاً للعيان وبجواره من الناحية الجنوبية مقبرته القديمة.
والمنيصف تقرن بمحلة بقربها يقال لها المنصف وقد أشار لها لدى الهمداني في صفة جزيرة العرب، 283. بقوله: «ومن عن يمين المنصف وهو حصن لبني عامر بن حنيفة ثم المنيصف وهو يسقيه المنخرق منخرق نساح»، وقال دليلنا الاستاذ المانع إنه حاول تتبع المنخرق الذي يشير له الهمداني إلا أنه لم يعثر عليه حتى اليوم فهل المقصود بقول الهمداني هو منخرق يكون على مستوى الأرض لوادٍ فيه أم من جبل منخرق ينزل بمياه حتى تصب روافده على هذه الناحية؟
ثم انتقلنا إلى العيون المشهورة في الخرج وهي ثلاث عيون:
1- عين سمحة.
2- عين الضلع.
3- عين أم خيسة.









احدى عيون الخرج

وكل هذه العيون قد جفت مياهها تماماً في حدود عام 1415ه تقريباً.
إلا أننا قد شاهدنا اثر ماء في قعر احدها وهي عين سمحة ولعلها من اثر ما تبقى من السيول التي جاءت المنطقة قبل أسابيع قليلة.
وكلتا العينين الأوليين كان يستفاد منهما في مشروع الخرج الزراعي منذ أيام الملك عبدالعزيز رحمه الله في الستينيات الهجرية من القرن الماضي فقد وضعت مضخات المياه على جوانبيها ولا زالت آثارهما قائمة مع المكائن القديمة وغرفها الخاصة بهما مع أنابيبهما الدافعة لتلك المياه للأعلى. ولعل عمقهما يتجاوز الخمسين متراً ضمن قطر واسع مقارب لمستوى ذلك العمق.
أما عين أم خيسة فيلاحظ وجود الكظائم “ الفقائر” العديدة الموصلة إلى العينين الأوليين في خط الاتجاه الشمالي لهما مما يدل على وجود أنظمة وقنوات مائية عجيبة وجدت قبل الإسلام في هذه المنطقة.
كما يلاحظ وجود المدافن والمقابر البارزة العديدة على الجوانب العليا من جبل الدام الملاصق جنوباً لهذه العيون.
وكم يتمنى المرء والزائر ان تقام جلسات جانبية على هذه العيون الكبيرة لمشاهدتها عن قرب وإحاطتها بزجاج قوي وعوازل متطورة شفافة ومأمونة السلامة ليعاد إحياؤها من جديد مع تحسين الخدمات حولها وان تقوم باستلامها شركات ذات خبرة سياحية والأمل كبير في هيئة السياحة للعمل بذلك.
بعد ذلك اتجهنا الساعة الواحدة والنصف إلى محلة في الدلم تسمى المحمدي - نسبة إلى أسرة آل محمد وهم من الأسر القديمة في المنطقة -.
والمشتهر بين سكانها القدماء أن هذه المحلة حدثت بها الوقعة المشهورة التي جرت بين الملك عبدالعزيز وابن رشيد بعد خروج الملك من الرياض عام 1319ه لملاقاة الجيش الرشيدي بها حيث كان الانتصار الكبير للملك عبدالعزيز وجنده.
وقد كانت هذه المنطقة من البلدات القديمة بل هي أصل وقاعدة البلاد في الخرج- اي الدلم - منذ القرون القديمة وقد خربت البلدة بعد سيل كبير وقع في عام 1211ه وقد أشار إلى ذلك المؤرخان ابن غنام وابن بشر وغيرهما.
وأدى خرابها عام 1211ه إلى انتقال أهلها في الجهة الأخرى مع قيام الإمام فيصل بن تركي بنقل الوقف الذي اجراه عمه الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود ومدرسة القرآن بها إلى مكان آخر كما أشارت وثيقة لذلك نشرت على جنبات هذه الصفحة قبل سنوات.
بالإضافة إلى حدوث الموقعة الشهيرة بقربها بين الإمام فيصل بن تركي وخورشيد باشا عام 1253ه التي جرت في محلة الخراب.
فقال ابن بشر:2/167. قال: ثم نزل الباشا في الخراب بعسكره وهي بلدة قديمة قريبة من البلد»
وعن الدلم غرباً يقع الباطن والوادي المسمى باطن تركي حيث تأتي السيول من الجهة الجنوبية إلى الشمالية لتصب ضمن هذه الناحية بخلاف ما يرفدها من سيول قادمة من اتجاهات مختلفة.
ويشاهد الناظر بقايا المياه بعد قدوم السيول - قبل أسابيع - وعلى جوانب هذا الوادي والباطن تقع المزارع العديدة وصنوعها ومعابرها النافذة إليها والتي تنقسم بعد ذلك موزعة هذه المياه إلى مزارع ونخيل عديدة لترتوي منها.
بعد هذه المسيرة تم الاتجاه إلى استراحة مضيفنا الاستاذ خالد المانع واخوته الكرام الذين أكرمونا بإقامة مأدبة غداء دسمة أكرمهم الله بكل خير وجرى خلال الاستراحة بعض المناقشات التاريخية والأدبية مع الاستاذ الأديب منصور المانع المهتم والمعني بالشعر بنوعية فصيحه ونبطيه ولعله يزف إلى محبيه مؤلفاً يجمع من خلاله القصائد القديمة والحديثة لبلاد الخرج وهو من اقدر الباحثين على ذلك.
بعد ذلك اتجهنا في الساعة الرابعة تقريباً غرباً إلى الجبل المشهور والرنان لدى اهالي الخرج والدلم والمسمى جبل أبو ولد وهو جبل بارز سمي بذلك كأنه يحتضن ولده بحيث جاء شكله بأنه ذو رؤوس ومناكب كما يذكر ذلك الشيخ عبدالله بن خميس في معجمه.
ويذكر دليلنا المانع قول الشاعر القديم والمجهول فيه ابياتاً من الشعر النبطي ومنها :

جبل ابو ولد

يابو ولد جعل تنهدي
يا جعل خدك تجي قارة

وبعد ذلك اتجهنا إلى نهاية السلسلة الجبلية الجنوبية عن هذا الجبل والتي تعرف بأنها جبل (رأس الكلب) وتذكر احيانا بخشم الكلب والتي منها كما يذكر المؤرخون مشاهدة زرقاء اليمامة جيش حسان بن تبع في غزوة على قبيلة جديس وأشار إلى ذلك الشاعر الأعشى المنفوحي بقوله :

ما نظرت ذات اشفار كنظرتها
حقاً كما صدق الذئبي اذا سجعا
اذ أقبلت مقلة ليست بكاذبة
إذا يرفع الآل رأس الكلب فارتفعا

وقد أشير كذلك إلى جبل الكلب عند الهمداني في صفة جزيرة العرب، ص 283.عند ذكره للمنطقة بقوله : (وهذه اليمامة حصون متفرقة ونخل ورياض وقف من عن يمينها بينها وبين نساح يقال لها أكلب وهي منازل بني قيس بن ثعلبة).
ونهاية السلسلة الجبلية المشاهدة لجبل الكلب تقع بجوار مزرعة الأمير بندر بن عبدالعزيز .
ويشير المانع ان هناك مكاناً آخر وبرقة قديمة عند المشطب يقال لها الكلب ولا زال يحقق في ذلك.
بعد ذلك اتجهنا إلى العذار وجامعه الذي يبنى اليوم بأحدث المواصفات وكان يقوم حوله المدينة القديمة.
وبقربها محلة المحماض التي كانت قرى طينية قديمة داهمها سيل جارف عام 1402ه فأخرج ساكنيها عنها وبنيت بعض بيوتها حالياً بالبناء المسلح.
ثم اتجهنا إلى زميقة من ناحية الجنوب من الخرج ويقابلها من الناحية الشرقية الجنوبية الفريع ومن خارجها تمتد أم حميضة وهي بجوار عرق الضاحي.
وشاهدنا سلسلة طويلة من سورها الكبير لا يزال بعضه موجوداً حتى اليوم ويقارب أكثر من أربعة كيلومترات ممتداً من جهة الجنوب إلى الشمال وارتفاع السور يتجاوز بعضه الثلاثة أمتار.
ولا شك ان طول وامتداد هذه الأسوار بهذا الطول والاتساع يدل على قوة اقتصادية جرت في المنطقة يوماً ما.
أخذنا بعد ذلك مصعدين إلى جبل الدام في الساعة الخامسة عصراً.
وهذا الجبل يشير له الهمداني بعد ان ذكر منخرق نساح وقرى الخرج فقال، ص 283:
( وهو في قنع الرمل والقنع مفضي القاع والرملة فالرملة في أصل الدام وهي تسمى رملة المغسل وبين الدام وبين الرملة اللوي....). وقبل ذلك قوله ص 282: (وعن يمين ذلك واد من الدّام يقال له الروحان والدام قف بظهرة البياض وفيه مياه منها الخويرات والثلماء والاكبشة...).
وابرق الروحان يعرف اليوم: بالريحاني ويقع اليوم جنوب مشروع الصافي للألبان اليوم.
والثلماء لا زالت معروفة حتى اليوم وصغرت إلى الثليماء والتي وردت في شعر ابن المقرب العيوني (ت 631ه) ووردت في شعر الخلاوي (المتوفى قبل القرن العاشر الهجري).
والاكبشة يقال لها اليوم كبيشان.
وفي الدام وغيرها من بلاد الخرج قد حددها الشاعر جرير بقوله:

ياحبذا الخرج بين الدام والأدمي
فالرمث من برقة الروحان فالغرف

وجبل الدام يشرف على بلاد الخرج من الناحية الجنوبية.
وإذا وقفنا على هذا الجبل المعترض فإن أقصى ناظريك غرباً يشاهد خشم الكلب ثم رمال الضاحي من الشرق ثم وادي المغسل وبقربه السويدية التي بها مزرعة قائمة ولعها كانت فيما مضى مزارع متعددة. بالقرب من موقفنا الآن الذي نشاهد فيه هذه الأمكنة من جبل الدام.
بعد ذلك أشار دليلنا المانع إلى مجاري وساقي العين القديم الذي يتجه إلى السهباء ورأينا بقايا مجرى اسمنتي حديث وضع في الطريق لم يتبق منه إلا أمتار قليلة.
ثم اتجهنا إلى منطقة يقال لها حديثا :البنّا.وبجوارها مكان يسمى مقبرة البنّا ويتناقل بعض العارفين أنها كانت هي اليمامة القديمة وعند وصولنا إليها رأيناها وقد أدير عليها سور حديدي «شبك» من قبل وكالة الآثار سابقاً منذ ما يقرب من عشرين عاماً تقريباً.
والمنطقة أحيطت من جميع جوانبها بهذه الأسلاك حيث يكون جانباها الشمالي والجنوبي اكبر مساحة من الجانب الشرقي والغربي بحيث جاءت على شكل المستطيل.
ويرى بعض البقايا والسكك القديمة لهذه المدينة الأثرية على ظاهر هذه المستوطنة قد طمرتها الرمال وقفنا عندها حول المغيب بعد ان كانت في زمن مضى تطوى رمال غيرها والله المستعان.
وذكر الأستاذ المانع انه بعد هذا البناء من الجهة الشمالية الشرقية بمسافة الكيل وجدت آبار قديمة وقطع من الفخار حينما ظهرت على الأرض وشوهدت أثناء جريان احد السيول في عام 1351ه.
قال الهمداني، ص282. بعد ذكر السهباء والمسير إلى انقد « ابرق سارة» ثم الروضة فقال: «ثم ترد الخضرمة جو الخضارم مدينة وقرى وسوق فيها بنو الاخيضر بن يوسف وهي دار بني عدي بن حنيفة ودار بني عامر بن حنيفة ودار عجل بن لجيم وديار هوذة بن علي السحيمي الحنفي وهي أول اليمامة من قصد البحرين «. ويرى شيخنا الجاسر رحمه الله ان بلدة اليمامة قامت على الخضرمة القديمة وبالمثل رجح ذلك الشيخ عبدالله بن خميس.
ويلاحظ ان هناك خضرمتين مشهورتين هذه إحداهما والأخرى تقع في منفوحة.
ويتفق الجميع على أن لهذا المكان والموقع شأناً كبيراً لعله الخضرمة المشهورة.
وربما سيتأكد ذلك عند قيام الهيئة العامة للسياحة والآثار بالتنقيب والبحث فيه.
بعد ذلك انتقلنا للوقوف على التقاء وادي حنيفة بوادي السهباء فكان هذ المقرن. وهذا الالتقاء يقع ضمن مشروع الخرج الزراعي في السهباء.
ثم مكثنا نتأمل ما كتبه الهمداني في كتاب صفة جزيرة العرب والمتوفى بعد عام 360ه مع الوقوف على فضاء المكان لنقول جزى الله المؤلف خير الجزاء ومعه مزودة بهذه المعلومات وهو أبو مالك أحمد بن محمد بن سهل بن صباح اليشكري الوائلي اليمامي.
في نهاية هذه الجولة تساءل الجميع:
العيون، الخضرمة، الأسوار، الآبار، والمدافن وغيرها مما تبقى من أهم الآثار الموجود في المنطقة فهل تشرع الهيئة العامة للسياحة والآثار بإعداد مخطط مدروس وآلية محكمة وسريعة العمل للمحافظة على هذه الأماكن وكشفها للزائرين.
مع طرح التساؤل عن دور كلية السياحة والآثار وطلاب جامعة الملك سعود عن إجراء المسوحات والتنقيبات الأثرية فيها !!.فهل من تحرك سريع قبل فوات الأوان؟؟

هذا رابط جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/2011/06/24/article644523.html

قال الهجري: البدي ركايا ببطن ذي بحار بين الخنوقة ونضاد

قال الهجري: البدي ركايا ببطن ذي بحار بين الخنوقة ونضاد
(2 -2)






صوره من القوقل ايرث توضح مسار الاوديه وبير درموحه



مجرى الوادي بين جبال خنوقة

بحمد من الله تم تحديد موقع وادي الكلاب في المقالة السابقة وأصبح من المستحب تحقيق موضع وادي البدي وتحديد مكانه وهو الموقع الذي ذكره لبيد بن ربيعة في قصائده ثلاث مرات ، وامرؤ القيس مرة واحدة ، والأعشى مرة واحدة . وسوف نستعين بأبو علي الهجري والهمداني وامرئ القيس لتقريب النصوص والإستدلال بالشواهد على علاقة وادي البدي مع وادي الرشاء . مع الحرص على استبعاد التصحيف الذي طرأ على أسماء الأمكنة بسبب النساخ .
قال ابو علي الهجري رحمه الله : " وانشد لإبن أحمر :
يبادرن البدي فذا بحار ** غطاطا هاج من جمران جونا

قال : والبدي : ركايا ببطن ذي بحار ، بين الخنوقة ونضاد.
وذو بحار : واد به أحساء وعضاه وسدر .
وجمران : جبل بشط التسرير ، دونه غرب ." انتهى(1)


بير درموحه وترى جبل النضاديه(نضاد)بالخلف


فوهة البئر




وقال الهمداني رحمه الله : "ومن قصد شرقي الحمى من المياه العناقة والخنوقة الى بطن الرشاء وهو بين الخنوقة وبين ثهلان ." انتهى (2)
وقال ايضا :" ومما يصالي الحمى (النير) : بطن الرشاء وهو بظهر ثهلان إلى ذات النطاق" انتهى (2)
وقال امرؤالقيس :
أصاب قطيات فسال اللوى له ** فوادي البدي فانتهى ليريض (2)
ومن خلال وصف الهجري رحمه الله تم التعرف ولله الحمد على البدي وركاياه خلال رحلتنا حول معالم منطقتي الشرف والشريف مع الأستاذ محمد بن سيف جزاه الله خيرا ، حيث يقع البدي وركاياه في أسافل وادي ذى بحار في محيط روضة خنوقة . ووجدنا بعض الركايا محاطة برضيمات جميلة من المرو الأبيض .

مرو حول الركايا


وتعرف هذه الركايا في الوقت الراهن عند أهل المنطقة بآبار درموحة وآبار أهل الشعراء حيث كانت تزرع (تبعل) في الماضي في وقت الوسمي . وعند زيارة الركايا وجدنا في قاع إحداها نقعة من الماء وبجوار النقعة حمامة تحتضن بيضها ذكرتنا ببيت إبن أحمر عن القطا الجوني .

عش لطائر الحمام باسفل البئر

وقد أشار الشيخ سعد بن جنيدل رحمه الله إلى هذه الركايا حيث قال :" وفي غرب الجبل (شهباء خنوقة) روضة واسعة فيها معالم آبار زراعية كان يزرعها أهل الشعراء ..." انتهى ( 3)
ولعلنا بعد أن قاربنا النصوص البلدانية وأكملنا تحديد مواقع الكلاب والبدي ميدانيا ومعرفة وادي الرشاء معرفة تامة ، أصبح من السهل علينا إدراك أن وديان الرشاء والكلاب والبدي محصورة في محيط يشمل ثهلان وخنوقة ونضاد وقطيات وجمران بين الشرف والشريف .

جبل النضاديه(نضاد)

صوره لجبل نضاد من بطن البدي

وبذلك تنقشع غشاوة التصحيف الذي أوقعه النساخ على هذه الأمكنة وطوحت بالبلدانيين في كل اتجاه .
وقد تبين لي من مقاربة نص الهجري مع شواهد لبيد وامرؤالقيس وابن أحمر أن مسمى وادي البدي إقتصر قديما على مجرى الوادي المتجه شرقا وبالتحديد بعد مجمع واديي ذو بحار وذو غثث (طينان وغثاة) ، ويشمل روضة خنوقة حيث الركايا ، ويستمر مشرقا مخترقا ضلعي خنوقة ، وينتهي عندما يلتقي وادي البدي مع واديي الرشاء والكلاب ويعتلج معهما شرقا من خنوقة . وحسب نص الهمداني فإن وادي الرشاء يبدأ من الجنوب من حمى نطاق وينحدر شمالا محاذيا ثهلان ومن ثم يعتلج مع وديان الكلاب والرمادية و البدي بعد جبل شطب سامحا لهم بدعدعة سرته . وبعد أن يتحد الرشاء مع وادي جهام يكتسب الوادي مسمى التسرير متجها إلى الشمال الشرقي .
والآن وبعد أن وجدنا البدي والكلاب حق لنا أن نتذوق أبيات لبيد بن ربيعة رحمه الله سليمة من التصحيف :
لاقى البدي الكلاب فاعتلجا ** سيل أتييهما لمن غلبا
فدعدعا سرة الرشاء كما ** دعدع ساقي الأعاجم الغربا

وبعد هذه اللمحة البلدانية يسرني تقديم مختصر مفيد لما قاله روادنا البلدانيون عن شواهد البدي والكلاب بعالية نجد :
1 – أبلى الشيخ سعد بن جنيدل رحمه الله بلاء حسنا في البحث عن البدي وحبر عشرين صفحة ممتعة أيما إمتاع في مؤلفه القيم "معجم عالية نجد" ، وعشر صفحات أخرى في مؤلفه "معجم الأماكن الواردة في المعلقات العشر" . واجتهد رحمه الله أيما اجتهاد في جمع واستقراء جميع النصوص والشواهد ، وحام ثم حام حول البدي وكاد ثم كاد أن يقع فيه ، إلا أنه تجاوزه شمالا إلى وادي جهام بالقرب منه.
2 – أما البكري رحمه الله فقد أورد شواهد جميلة عن البدي في " معجم ماستعجم" ، إلا أنه لم يسلم من فخ تصحيف النساخ لأسماء الأمكنة وخلط بين الرشاء و الركاء .
3 – الشيخ محمد بن بليهد رحمه الله مؤلف "صحيح الأخبار" كان أول من اجتهد في الموضوع ، ولكنه أيضا جارى البكري في تصحيف الرشاء فقد وقع رأيه أن البدي هو الجلة وانها تصب في السرة ليصل الركاء .
4 – أما رائد البلدانيين الأستاذ عبدالله الشايع وفقه الله فقد شرق وغرب في البحث عن البدي ، وبعد أن أعياه تصحيف الرشاء رفع يديه عن بحث البدي ، حيث قال في كتابه الثاني "نظرات في معاجم البلدان" ما مختصره : " يا ترى أين الكلاب والبدي اللذان ذكرهما لبيد ... ؟ وإجابتي عن هذا السؤال قد يفاجأ بها القارئ إذا قلت إنه ليس هناك واد اسمه الكلاب وآخر اسمه البدي ... ثم استطرد فقال : فعندما أمعنت النظر اتضح لي أن لبيدا لم يقصد بالكلاب والبدي واديين بعينهما وإنما قصد مكانا اسمه الكلاب وآخر اسمه البدي .... فإذا كان البكري قصد بقوله (البدي والكلاب واديان يصبان في الركاء) يعني أن هذين الواديين قادمان من الكلاب والبدي فهذا حسن ، أما إذا كان يقصد واديين محددين فلا أظن ذلك صوابا ..... ولعلي بما تقدم اسدل الستار على البدي ووادي البدي إذ أن تحقيقه لا يعنينا في بحثنا هذا حيث مدار بحثنا يدور حول تحقيق الكلاب الذي سميت فيه معركة الكلاب الثاني ) انتهى ...... وليسمح لي الأستاذ الشائع بارك الله فيه ، أن أخالفه الرأي فيما ذهب إليه .
5 – أما الأستاذ سعد الماضي بارك الله فيه فقد حبر مقالا أدبيا نديا جميلا في جريدة الجزيرة ينضح شاعرية عنوانه سياحة مع لبيد بن ربيعة العامري اجتهد فيه اجتهادا مشكورا ، وأثنى فيه على ملكة الشاعر الجغرافية ، ولكن التصحيف طوح به أيضا بعيدا عن البدي والكلاب وسرة الرشاء .
وهذه ملحة أدبية بلدانية سطرها كل من الهجري وياقوت ولبيد والهمداني دارجة عند الأعراب منذ زمن ، فقد اشتهرالبدي بالجن وذلك بتأثير من سمعة برقتي دفنان وخنوقة (حيث يسكن قبيل بني مالك حسب الرواية !!!!) ، فقد قال لبيد :
غلب تشذر بالذحول كأنها ** جن البدي رواسيا أقدامها
وقد ذكر الهمداني ذلك حيث قال :" البدي موضع ينسب له كثرة الجن " انتهى (2)
ومسك ختام هذه اللمحة تطريزها بأبيات من شعر لبيد عن وديان البدي والكلاب والرشاء ، حيث قال :
ياهل ترى البرق بت أرقبه ** يزجي حبيا إذا خبا ثقبا
لاقى البدي الكلاب فاعتلجا ** سيل أتييهما لمن غلبا
فدعدعا سرة الرشاء كما ** دعدع ساقي الأعاجم الغربا
فقلت صاب الأعراض ريقه ** يسقي بلادا قد أمحلت حقبا
لترع من نبته أسيم إذا ** أنبت حر البقول والعشبا
وقال أيضا :
جعلن حراج القرنتين وناعتا ** يمينا ونكبن البدي شمائلا
وقال الأعشى :
أتنسين أياما لنا بدحيضة ** وأيامنا بين البدي فثهمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نوادر وتعليقات الهجري
(2) صفة جزيرة العرب
(3) معجم عالية نجد

محمد الخيال

حفر بني سعد قديما وآبار رماح حديثا

حفر بني سعد قديما وآبار رماح حديثا

محمد بن عبدالله الخيال

أصل الموضوع مقال كتبته في جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/2011/02/18/article605654.html
بعد الشكر لله ثم لروادنا الكبار من المحققين البلدانيين في بلادنا الذين كرسوا جل حياتهم لتحقيق تراث العرب ليستلم راية البحث والتحقيق جيل جديد من الشباب الواعد الذين توفرت لديهم إمكانيات وتقنيات ومؤسسات تدعم جهودهم الخيرة لإكمال المسيرة البحثية إن شاء الله وفي مقدمتهم القدوة الحسنة الأستاذ عبدالله الشايع الذي أضاف للنصوص التاريخية البلدانية قرينة أخرى وهي أعلام الطرق القديمة المتمثلة بالرجوم والمنارات.
أقول وبالله التوفيق: بمطالعة ما كتبه أوائل البلدانيين من أمثال البكري والحموي والأصفهاني ونصر والهمداني عن احفار العرب، وجدت كما وجد المحققون الآخرون تداخلا وسقطا في اللمحات والنصوص والجمل مما جعل المحققين المعاصرين جزاهم الله خيرا يختلط عليهم أمر تعيين وتحديد موقع حفر بني سعد المشهور والذي وصف بأنه من اكبر مياه العرب غربي الدهناء وشرق العرمة. إلا أن البحاثة الرائد في مسارات وأعلام الطرق الأستاذ الشايع جزاه الله خيرا له فضل علينا حيث قربه إلينا أيما تقريب ومن ثم أغوته بنيات الطريق كما قال بأنها أغوت أشياخنا من قبل فانحرف عن طريق البصرة قبل أن يصل إلى حفر بني سعد «أبار رماح» بفرسخين واتجه شرقا إلى طريق الجودي الذي يجتاز ما يسمى قديما «البئر» ويسمى حاليا المزيرع. وبما أننا بشر فلا عجب في أن يخطئ الدليلة وذلك وارد، والشاهد على ذلك صدر البيت الشعبي الذي يقول:
وردوهن هيت وأخطاه الدليله
دعم قوي للبحث
قبل أن أبدأ استعراضي للطريق من حجر اليمامة الى حفر بني سعد أود أن أنوه بأنني استعنت بعامل مساعد لدعم البحث والتقصي حيث رافقي دليل خريت مجرب ولد وترعرع وشب فيما بين مياه ومراعي أهله وقومه متنقلا على مطيته من الحاير الى السلي والبرشاعة وبريشيع والحرملية والفهادي ومرير والمونسية ووديان العرمه وأبار اللبجة والحفاير والغيلانة وآبار رماح والرمحية ومصدة. في هذه المواضع نيطت تمائم دليلنا الشيخ الشاب سعد بن فواز بن صياح السبيعي (أبو ملحم) الذي تفضل ورافقني لتلك المواضع واحدة تلو الأخرى وعرفني على آبار المنطقة ووديانها وحزونها.
والآن دعونا نستعرض بعض ما قاله البلدانيون الأوائل في هذا الصدد ومقاربته بما قاله المعاصرون في تحديد حفر بني سعد:
1- مختصر ما قاله صاحب كتاب بلاد العرب ص301 مع التعريفات بالمسميات الحالية: (إذا خرجت من حجر اليمامة تريد البصرة فأول ماء يلقاك، وردته أو لم ترده: الحرملية (مورد غزير في شعيب البرشاعة) وهي في قف في شعبة...... ثم تنهض من ثنية الجرداء فتصير في قاع يقال له الراح (الطراق) فإذا جزته وقعت في العرمة فتمر في واد خرج بين صدي جبل (وادي اللبجة).....
صورة وادي اللبجة


حتى تنتهي إلى مآءة يقال لها الجرباء (اللبجة)
صور آبار اللبجة












أبوعبدالله ينظر إلى الآبار

وعلى يسار الجرباء في العرمة ماء يقال له الرداع (الحفاير)....
ماء الرداع من صور محمد الشاوي





وعن يمين الطريق ماء يقال له الغيلانة وهو من العرمة



بئر من آبار الغيلانة

أيضا فإذا فصلت من العرمة من الجرباء (اللبجة) صرت إلى واد يقال له مجمع الأودية (المقرن)

مجمع الأودية المقرن


......ثم تصير إلى روضة ذات الرئال (خريم) وهي كثيرة السدر والجثجاث ....
صور ذات الرئال (روضة خريم) صور من قوقل إيرث

1

2

ثم تجوز ذات الرئال حتى تنتهي إلى الحفر حفر سعد (آبار رماح) وهو ماء عذب خفيف بعيد القعر واسع الأعطان وهو في جرعاء سهلة لينه مواصلة الدهناء .....



بئر السيارية أحدى آبار رماح القديمة


بئر الجبرية من آبار رماح


عمق بئر السيارية ودقة الطوي


حزوز الأرشية في بئر السيارية

بئر الزيدي في رماح



وبين الحفر وحجر يومان وليلتان، ثم تصدر مفوزا من الحفر مستقبلا الدهناء.). وقال أيضا: (ولهم وراء الدهناء بجنب حفر سعد ماء يقال له البئر (المزيرع). قال الراجز: بالبئر- والله- ذئاب والحفر). انتهى
بئر المزيرع ( البئر قديما )





2- وقال الأزهري في تهذيب اللغة في سياق استعراضه للأحفار في بلاد العرب: (ومنها حفر سعد بن زيد مناة بن تميم وهو بحذاء العرمة وراء الدهناء يستقى منها بالسانية عند حبل من حبال الدهناء يقال له الحاضر).
3- كما قال الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب ص298: (ومن الدهناء الوحيد نقى منقطع مشرف على حفري سعد. ورمل وهبين عن يمين الحفرين لعامد إلى الصمان)
4- وقال البكري في معجم ما استعجم ص450: (وفي شعر ذي الرمة الحفر موضعان حفر بني سعد وحفر الرباب وبينهما مسيرة ليلة).
من النصوص السابقة تتضح لنا عدة معطيات سوف تساعد القارئ على أن يتعرف على حفر بني سعد بدقة متناهية والتحقق من أن آبار رماح هي حفر بني سعد:
اولا: حفر بني سعد ماء عظيم من أعظم مياه العرب ما بين العرمة والدهناء ويستقى منه بالسانية وينطبق وصف الشيخ عبدالله بن خميس لآبار رماح على صفة حفر بني سعد حيث يقول (وعهدت رماحا منهلا تعوي ذئابه في الشتاء، ويكثر قطينه في الصيف من الخيام وبيوت الشعر، ويكثر ورده من الإبل والغنم حتى لكأنها أعجاز النخيل، أو مجهمات الحرار، ينصب على كل بئر من آباره طاقتها من (المقامات)، وكل مقام يشتغل أربعا وعشرين ساعة، وكل وارد يعرف ساعته أو ساعاته. وهكذا.
وماؤه عد مكين رسين لا يغيظ جمه ولا يتكدر، ماؤه عذب زلال... وعمقه خمسة وثلاثون باعا على مقام البئر.... وآباره خمس، هي (الجبرية)، و(الزيدي)، و(السيارية)، و(بطيحان)، و(كتلان).... ومن أشهرها وأغزرها ماء الزيدي، فهم يقولون: (من أشبعته الدهناء أرواه الزيدي)، وكذلك بئر (الجبرية)، يقولون إذا أرادوا أن يبالغوا في كثرة الماء: (كأنك على جال الجبرية).
ثانيا: تقع آبار رماح شمال مجمع الأودية (مقرن أودية المساجدي والثمامة واللبجة) الواقعة بالعرمة وقبل الدهناء تاركا ماء الغيلانة أيمن الطريق للعامد للدهناء والصمان باتجاه الشمال.
ثالثا: تتميز آبار رماح بوقوعها في جرعاء سهلة لينة مواصلة للدهناء وليست أرضا صلبة كما هي أرض حفر العتك (حفر الرباب قديما).
رابعا: لغزارة آبار رماح فهي نقطة التقاء لعدة طرق رئيسة في المنطقة حيث يستقي منها الأعراب وجميع المسافرين عبر درب الجودي المتجه شرقا أو درب البصرة المتجه شمالا عبر الصمان ودرب البراشيع المتجه جنوبا إلى حجر اليمامة.
خامسا: المسافة التي حددها صاحب بلاد العرب بين حفر بني سعد وحجر اليمامة بيومين وليلتين للمطايا تطابق المسافة الفعلية حيث قال الشيخ عبدالله بن خميس: (ورماح يتوسط منطقة العرمة شمال الرياض بميل قليل نحو الشرق، يبعد عنها نحوا من مئة وعشرين كيلا).
وصف الطريق بين حجر اليمامة وحفر بني سعد
بعد أن عثرنا على حفر بني سعد المتمثل بآبار رماح دعونا نَعُدْ ونتعرف على أعلام الطريق الواقعة فيما بينه وحجر اليمامة. لدينا جزءان للطريق من حجر اليمامة إلى البصرة:
- الجزء الأول ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان نقلا من كتاب محمد بن أبي حفصة اليمامي في مناهل العرب حيث قال: (إذا خرجت من حجر تريد البصرة فأول ما تطأ السفح ثم الخربة (ابو مخروق) ثم قارات الحبل (مغرزات) ثم بطن السلي ثم طار ثم عيان ثم روض القطا ثم العرمة). انتهى
- أما الجزء الثاني من الطريق الذي ذكره صاحب كتاب بلاد العرب (ص 301) فقد حاولت استبعاد الحشو والتداخل وإختصاره على النحو التالي: (إذا خرجت من حجر اليمامة تريد البصرة فأول ماء يلقاك، وردته أو لم ترده: الحرملية (مورد غزير في شعيب البرشاعة) وهي في قف في شعبة...... ثم تنهض من ثنية الجرداء فتصير في قاع يقال له الراح (الطراق) فإذا جزته وقعت في العرمة فتمر في واد خرج بين صدي جبل (وادي اللبجة) ..... حتى تنتهي إلى مآءة يقال لها الجرباء (اللبجة) وعلى يسار الجرباء في العرمة ماء يقال له الرداع (الحفاير) .......... وعن يمين الطريق ماء يقال له الغيلانة وهو من العرمة ايضا فإذا فصلت من العرمة من الجرباء (اللبجة) صرت الى واد يقال له مجمع الأودية (المقرن)...... ثم تصير إلى روضة ذات الرئال وهي كثيرة السدر والجثجاث .... ثم تجوز ذات الرئال حتى تنتهي إلى الحفر حفر سعد وهو ماء عذب خفيف بعيد القعر واسع الأعطان وهو في جرعاء سهلة لينه مواصلة الدهناء ..... وبين الحفر وحجر يومان وليلتان، ثم تصدر مفوزا من الحفر مستقبلا الدهناء) انتهى.
الخلاصة
بهذا البحث استفدنا فوائد جمة ومعرفة للطريق على الطبيعة على النحو التالي:
1 – حجر اليمامة: حي الديرة بالرياض
2- السفح: يقع فيما بين حي الديرة إلى أن تصل إلى ماحول معهد الإدارة العامة وشارع الستين بالملز. وهو الحد الذي يتم فيه وداع المسافرين.
3 - الخربة: هو جبل أبو مخروق العلامة البارزة.






صورة قديمة لجبل (أبومخروق)

4 – قارات الحبل: هي المرتفعات المحصورة فيما بين شارع الستين بالملز حتى تصل إلى الدائري الشرقي ومن الدائري الشمالي إلى الدائري الجنوبي تقريبا.
5– السلي: يبدأ من الدائري الشرقي حتى جامعة نايف الأمنية.
6 – موقع ماءة الحرملية: أخبرني (أبو ملحم) جزاه الله خيرا أن ماءة الحرملية باقية باسمها حتى طمرها التوسع العمراني شرق مجمع الدفاع المدني في شعيب البرشاعة وهي أغزر بئر بعد خروجك من الرياض ترتوي منها مطايا المسافرين إلى الكويت والحسا. أما باقي الموارد فهي ضعيفة الجم.
7 – قاع الراح: يسمى الطراق حاليا.
8 – الجرباء: ماء اللبجة كما حققها الأستاذ الشايع جزاه الله خيرا. والوادي الخرج هو وادي اللبجة حاليا.
9 – الرداع: ماء الحفاير كما حققها الأستاذ الشايع جزاه الله خيرا.
10- مجمع الأودية: يسمى المقرن نسبة لاجتماع أودية الثمامة والمساجدي واللبجة 11 – آبارالغيلانة: ماء معروف في مجرى باطن المقرن وهي على يمين الطريق.
12 – روضة ذات الرئال: روضة خريم وهي كثيرة السدر والجثجاث واقعة على يمين الطريق أيضا.
13 – حفر بني سعد: آبار رماح حاليا.
14 – البئر: بئر المزيرع.
15 – نقى الوحيد: نقى خري.
16 - وهبين: الجلالية وأبو ثمام الشرقي وفرشة المزيرع.
17 – فلاة رماح: تتمثل في صياهد الرمحية وأبو ثمام الغربي وقد طغى مسمى رماح على الآبار بعد أن تركها بنو سعد كما تركوا غيرها.
18 – حبل الحاضر: وهو عرق الحمراني .
19 – حفر الرباب: هو حفر العتك كما حققه الأستاذ الشايع جزاه الله خيرا. وأضيف شاهدا آخر وهو قول الهمداني في صفة جزيرة العرب حينما عدد موارد العتك ص 285: (وكل ما عددت من مياه العتك وقراه للرباب من بني تميم.)

سياحة في مرابع إمرئ القيس النجدية

سياحة في مرابع إمرئ القيس النجدية


ومشاهدة الصاقب والدخول وصفا الأطيط وهضب ذي أقدام


بقلم : محمد بن عبدالله الخيال

تحقيقنا في هذه المقالة يشتمل على ديار ومنازل تغنى بها إمرئ القيس واحتفى بها الهمداني وتقع في عالية نجد الجنوبية التي تتميز بعذرية الطبيعة والجمال الأخاذ.. وموقع هذه الديار في ناحية فيما بين رمال الدحي (الدبيل) وناحية (المضجع).وهذه الناحية عبارة عن أرض فيحاء ساحرة خلابة تشرح الصدر ، وتتخللها هضاب جميله ومياه مشهورة يحدها من الشرق السوادة (قنان غمرات) ونفود الدحي (الدبيل) ، وغربا عروق سبيع (رملة بني كلاب) وشمالا الحصاتين (عمايتين) وذقان ، وجنوبا الهضب مما يحاذي وادي القمرى .
( عالية نجد الجنوبية )

ومن الجميل حقا أن عالية نجد مازالت تحتفظ بكثير من الأسماء القديمة للأماكن مع بعض ما طرأ عليها من التغيير في النطق وتبادل الحروف بين العامية والفصحى . ومن أمثلة هذه الأماكن الواقعة في محيط التحقيق الدخول والصاقب والأميلاح ومنخرة وأم الوقبان وصاحة وذقان وغمرة والسوادة والركا والدبيل وغاير وسقمان وأحامر وجعاشيم والقمرى والأيسري والأروسة والكهفة ... إلخ....
وقد تغنى إمرؤالقيس بتلك الديار حيث أنها مرابع صويحباته لميس والرباب وهريرة وفرتنى ، وغرد بها في قصيدة جميلة أودعها ديوان شعره حيث قال :

لمن الديارُ غشيتها بسحامِ * فعمايتين فهضبِ ذي أقدامِ

فصفا الأطيط فصاحتين فعاشم * تمشي النعاج بهِ مع الأريامِ

دارٌ لِهِرٍّ والرَّبابِ وفَرْتـنَى * ولَمِيسَ قبلَ حوادثِ الأيامِ


ومن المشهور أن إمرأ القيس يعتبر قائد شعراء العصر الجاهلي وسابقهم بلا منازع . وفي الأثر رواية أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (إمرؤالقيس سابقهم ، خسف لهم عين الشعر ، فافتقر عن معان عور أصح بصرا )... ( أي تفنن في منابع الشعر وجمال المعاني فأصبح قائدا للشعراء الجاهليين ) .
وقال عنه جرير : ( إمرؤ القيس إتخذ الشعر نعلين ، فأقسم بالله لو أدركته لرفعت له ذلاذله ). (أي صرت له خادما) . انتهى1
ومن محاسن الصدف أن لسان اليمن العلامة الحسن بن أحمد الهمداني رحمه الله صاحب الكتاب القيم "صفة جزيرة العرب" إحتفى بأبيات إمرئ القيس ومرابعه في معرض وصفه لأحد طرق الحج المتجهة من الأفلاج إلى مكة حيث قال ما مختصره :-
… " رجعنا إلى الطريق الآخر فتأخذ على الهدار ... فأول جزع فيه القطنية ، ثم الأقطان .. ثم الفرعة .. والحشرج ..ثم النّتّج وهي قارات في قابل فأو الهدار من قصد الدَّبِيل ثمتقطع الدبيل قطع الحبل وهو الرمل فأول مشرب في هذه المحجة ماء لجَرْم يقال له ممكن.. ثم يأخذون على قرن أحامر ويقابلون الصاقب صاقب الدَّخول ، ومن عن يمينهم قنان غمرات وبطن الركاء في وسطه الدخول ماء قريب من صفا الأطيط وهضب ذي أقدام ويظهر لك رأس سحام ، وهذه المواضع التي يقول فيها امرؤ القيس :

لمن الديار عرفتها بسحام * فعمايتين فهضب ذي أقدام

فصفا الأطيط فصاحتين فعاسم* تمشي النعاج بها مع الأرآم



وبشط غمرة مما يلي الركاء أحساء معصبة فترد الدخول وله علم يقال له منخر هضبة ثم تقع في رملة عبدالله بن كلاب . ثم ترد الأخضر بأسفل وادي تربة ... وإن تيامن فعلى بريم ومياهه...."انتهى2
وما يهمنا هنا هو أن نغشى هذه الديار والمرابع التي غشاها إمرؤالقيس و نسلط الضوء عليها بتعريفات جديدة لهضب ذي أقدام وصفا الأطيط وسحام وعاشم ومورد ممكن وأحساء معصبة ، حيث أن هذه الأماكن واقعة على جادة طريق الحاج فيما بين رمل الدبيل وآبار ممكن شرقا والدخول وصفا الأطيط وهضب ذي أقدام غربا .
وبهدف تحقيق هذه المواضع في وقت لاحق فقد قمت خلال العشر سنوات الماضية بسبع رحلات ميدانيه للتعرف على معالم المنطقة وبلادها وديارها. وكنت خلال هذه الرحلات برفقة إخوة أحباب وزملاء استفدت من علمهم وأدبهم وأعتز أنني تعلمت منهم الكثير فقد كانوا خير السند والصحبة في السفر .

الخلاصة

- وخلاصة التحقيق ولشهرة آبار الدخول وهضابها فقد رشحتها كقطب تدور حوله أطراف التحقيق وشاهد للتعريف بصفا الأطيط (هضاب الضمود) وهضب ذي أقدام (أم الوقبان) وذلك لقربهم الشديد من ماءة الدخول ، مستندا على قول الهمداني :- ( الدخول ماء قريب من صفا الأطيط وهضب ذي أقدام ).
خارطة الأماكن على جادة الطريق

- وأما مورد ماءة (ممكن) فهي (آبار الحوار) الواقعة فيما بين رمال الدبيل (الدحي) والسوادة وتمر بها جادة الطريق وجواد القوافل المتجهة لمكة المكرمة عبر وادي مراغة .
( جواد القوافل في وادي مراغة )

- وأما عاشم فهي جبال جعاشيم وجعشوم الهامل بالقرب من قرن أحامر حيث يخترقها طريق الحاج المتجه لآبار الدخول.
جبال جعاشيم تصوير الدرع العربي

قرن أحامر

- أما رأس سحام فقد حدده الأستاذ سعد الماضي مشكورا في جبال الستاره حيث قنة (معصورة) تطل عليك وأنت على جادة طريق الحاج ، بالقرب من أحامر .
(صور لرأس سحام )


- وأما عمايتين (الحصاتين) وصاحتين والدبيل (رمل الدحي) ووادي الركا وغمرة والسوادة وأحامر والمضجع والصاقب ومنخرة والأميلاح فقد تولى تعريفهم الشيخ سعد بن جنيدل رحمه الله في المعجم الجغرافي لعالية نجد بما لا مزيد عليه .
( صورة جميلة لصاحة العنقاء )

ورحم الله الشيخ سعد بن جنيدل فقد ألف معجما جغرافيا قيما عن منطقة عالية نجد سيبقى مصدرا مهما لجغرافية المنطقة وطلاب المعرفة ويعتبر بحق سفرا جمع فيه الشواهد البلدانية القديمة والحديثة ، والشواهد الشعرية الفصحى والنبطية ، وكثيرا من الحوادث التاريخية والروايات الأدبية التي جرت أحداثها في محيط عالية نجد . وسنستعين بكل ما كتبه الشيخ بن جنيدل في وصف الأماكن موضوع التحقيق والتنبيه ما أمكن لأي سبقة قلم في الوصف ، فجزاه الله خير الجزاء وغفر له وأسكنه فسيح جناته .
و في آخر رحلة ميدانية لفريق الزملاء عقدنا العزم على تتبع الأماكن على جادة الطريق الأيسر لحاج الأفلاج كما وصفه الهمداني . فاتجهنا من الرياض إلى الأفلاج ومن ثم إلى الهدار ثم سلكنا شقة الخلفات و قطعنا رمل الدحي متجهين لماءة الحوار ، وخلفنا على أيمن الطريق غمرة وقنانها وأحساء معصبة (أم عصبه) . وواصلنا المسير على جادة الحاج عبر وادي مراغة ومن ثم اخترقنا جبال جعاشيم ومررنا بقرن أحامر على ميسرة الطريق ولاح لنا رأس سحام (في جبال الستارة) عن أيمن الطريق ونحن في اتجاه أم الوقبان (هضب ذي أقدام) وثم ماءة الدخول وثم أيضا هضاب الضمود (صفا الأطيط) ومن ثم هضبة منخرة .

تعريفات الأماكن على جادة طريق الحاج مابين نفود الدحي والدخول


- آبار ممكن قديما وآبار الحوار حديثا :- قال ابن جنيدل رحمه الله مامختصره :- (بلفظ الحوار ولد الناقة ، ماء عد قديم يقع في شمالي جبال السوادة ، شمال غمرة ، ويذكران جميعا غالبا ، فيقال غمرة والحوار ،..... ويمر بهذه المياه طريق حجاج بلاد الأفلاج قديما.) انتهى3
- قلت وبالله التوفيق :- بل ماءة الحوار في شرقي السوادة وليست شمالها وجنوب غمرة وليست شمالها . وقد تم تجديد آبارها وأوقفها أصحابها سبيلا يردها عابري سبيل تلك الناحية .
ماءة الحوار ممكن قديما ويحدها شرقا رمال الدبيل


وادي الحوار الجميل

- أم عصبة : - وصفها ابن جنيدل رحمه الله فقال مامختصره :- ( حشة سوداء لها رؤوس ، تكتنفها برقة ، تقع على ضفة وادي الركا وصوب مطلع الشمس من الحصاة ، ... يختنق بطن الركا فيما بينها و بين خشم الحصاة مما يلي ماء برودان و كتنة ، وهي ..... تابعة لإمارة القويعية.
وهي الموضع الذي ذكره الهمداني باسم معصبة و حدده و ذكر أنه يمر به طريق حاج بلاد الافلاج فقال : ومن عن يمينهم قنان غمرات و بطن الركاء ، وبشط غمرة مما يلي الركاء أحساء معصبة .
قلت : إعتاد الناس على تسمية الماء و العلم الواقع بجانبه بإسم واحد أو إضافة أحدهما إلى الآخر ، و أم عصبة قريبة من غمرة , و كلاهما واقعتان على شاطيء وادي الركاء .) انتهى3
- عاشم (جبال جعاشيم وجعشوم الهامل ) :- قلت وبالله التوفيق :- هي جبال ممتدة من الشمال إلى الجنوب تزين تلك المنطقة بجمالها وتكتنفها غابات النباتات الصحراوية يطل عليها رأس سحام من الشمال الغربي وقرن أحامر من الجنوب الغربي ، و يخترقها طريق حاج الأفلاج والعقيق . وكانت في السابق ملجأ آمنا للعصم والأروى .
- هضب أم الوقبان (هضب ذي أقدام): - قال ابن جنيدل رحمه الله : - ( هضبة حمراء ملساء عالية الرأس , و عندها عبل ابيض يسمى (عبل أم الوقبان). تابعة لإمارة عفيف ، و تقع من بلدة عفيف جنوبا على بعد مائتين و أربعين كيلا تقريبا.) انتهى3 .
- قلت وبالله التوفيق :- وبجوارها من الغرب آبار وادي الرحاوي وهضبة الدخول قريبة منها كما وصفها الهمداني . ويحيط بها أراض فيحاء منبات كانت في السابق تعج بقطعان الريم والمها .
- الدخول (ماءة وهضاب) :- قال ابن جنيدل رحمه الله مامختصره :- ( الدخول هضاب حمر عالية ، وفيها ماء يسمى بهذا الاسم ، في ناحيتها الشمالية داخل في شعب في الهضاب ، وفيها رسوس جمع رس و كلها عذبه ، تقع في بلاد المجضع ، المضجع قديما ، شمالا من الهضب ، .... ، ويبعد عن بلدة عفيف جنوبا مائتي كيل ، تابع لإمارة عفيف.
و ذكر الهمداني مواضع في رسم طريق حاج الأفلاج , و الواقع أن هذه الأعلام التي ذكرها مازالت معروفة بأسمائها ، أحامر ، الصاقب ، الدخول ، غمرة ، الركاء ، منحر ، و هذه الجبال قريب بعضها من بعض ، و قد نسب الصاقب إلى الدخول لقربه منها ، و كذلك منخر ، وتعرف في العهد باسم محرف تحريفا يسيرا فيقال لها : المنخرة . وأما رملة عبدالله بن كلاب فإنها تقع غرب الدخول قريبة منها و تسمى في هذا العهد : عرق سبيع.
- و قال أبو علي الهجري : الدخول : محجة أهل العقيق و الأفلاج إلى مكة ، و ذقان جبل قرب الدخول.
و الواقع أن جبل ذقان ما زال معروفا بإسمه ، و يقع شرقا من الدخول .
و قال ياقوت : و حكى عن نصر أن الدخول موضع في ديار بني أبي بكر بن كلاب . و قال عن أبي سعيد : الدخول من مياه عمرو بن كلاب.

و قال ابو زياد : إذا خرج عامل بني كلاب مصدقا من المدينة فأول منزل ينزل عليه و يصدق عليه أريكة ثم العناقة ثم مدعى ثم المصلوق ثم الرنية ثم الحليف ثم يرد الدخول لبني عمرو بن كلاب فيصدق عليه بطونا من عمرو بن كلاب و حلفائهم، بني دوفن .
وقال سعيد بن عمرو الزبيري و كان ساعيا على بني كلاب :-


فإن يك ليلي طال بالنير أو سجا * فقد كان بالجمـاء غيـر طـويـل


ألا لـيتـني بـدلـت سـلعــا و أهله * بدمخ و أصراما بهضب دخول

) ) انتهى3
قلت وبالله التوفيق :- اشتهر مورد الدخول قديما وحديثا بعذوبة مائه وغزارة جمه ، حيث قال الخارزنجي : (الدخول بئر نميرة كثيرة المياه )4 . وهو مورد جاذب للبادية ومحطة مهمة للقوافل . وتحيط به موارد أخرى من كل جانب منها الأروسة والأيسري والرحاوي والكهفه والأميلاح . ويجاوره من الشرق هضاب أم الوقبان (هضب ذي أقدام) ومن الجهة الغربية هضاب الضمود (صفا الأطيط) ومنخره . ولأهمية موقعه فقد كان عامل الزكاة يأتي من المدينة المنورة ليصدق عليه قبائل العرب المجاورين له في ناحية المضجع .

من هضاب الدخول

ناصفة الدخول




- (صفا الأطيط) قديما ، (هضاب الضمود) حديثا :-هضاب جميله سامقة في السماء حمراء داكنة اللون ، مجاورة للدخول من الناحية الغربية . قال الهمداني :- ( الدخول ماء قريب من صفا الأطيط وهضب ذي أقدام ).
وقد اختلف المعاصرون في مسمى صفاة من صفا الأطيط (الضمود) شامخة في السماء تسحرك بجمال تكوينها ، فاخترعوا لها إسم حومل وما هي بحومل المرتبط بالدخول وتوضح والمقراة ، فذلك يخص رملة واقعة في الدهناء في ناحية التيسية (الحزن) شرق الأسياح (النباج قديما) وغرب اللوى .
( صفاة سامقة من صفا الأطيط )

وقد أجاد الأستاذ عبدالله الشايع جزاه الله خيرا حين حقق رمال الدخول وحومل المذكورة في بيت إمرئ القيس المشهور في ناحية الدهناء . ولكنه بارك الله فيه لم يحالفه صواب الرأي حين أطلق على هذه الصفاة السامقة مسمى سحام .بل أجاد الأستاذ سعد الماضي جزاه الله خيرا في تحقيق سحام الواقع غرب صاحة وشمال أحامر ، مبينا أنها قنة (معصورة) بجبال الستاره .
ومن طريف أدبيات الرحلات وصف ناصر خسرو (رحالة وأديب فارسي) شكل تلك الهضاب حين مر بها ، فقال مامختصره :- (وبلغنا مَكَانا فِي وسط أَرض ملؤُهَا الصخور يُسمى سربا رَأَيْت بِهِ جبالا كل مِنْهَا كالقبة لم أر مثلهَا فِي أَي ولايَة وَهِي من الإرْتفَاع بِحَيْثُ لا يصل اليها السهْم وملساء وصلبة بِحَيْثُ لا يظْهر عَلَيْهَا شقّ أَو التواء.....وَقد سرنا من هُنَاكَ فَكَانَ رفاقنا فِي الطَّرِيق كلما رَأَوْا ضبا قَتَلُوهُ وأكلوه وَكَانُوا يحلبون لبن الْجمال حَيْثُ وجد الأعْرَاب وَلم أكن أَسْتَطِيع أكل الضَّب أَو شرب لبن الْجمال وَبعد معاناة مشاق ومتاعب كَثِيرَة بلغنَا فلج فِي الثالِث وَالْعِشْرين من صفر .... وَمن مَكَّة اليها ثَمَانُون وَمِائَة فَرسَخ. وَتَقَع فلج هَذِه وسط الصَّحرَاء وَهِي نَاحيَة كَبِيرَة وَلكنهَا خربَتْ بالتعصب وَكَانَ الْعمرَان حِين زرناها قاصرا على نصف فَرسَخ فِي ميل عرضا وَفِي هَذِه الْمسَافَة أَربع عشرَة قلعة).انتهى5
- هضبة منخرة :- قال ابن جنيدل رحمه الله :- ( هضبة سوداء لها رؤوس بارزة ، تقع في بلاد المجضع ( المضجع) غربا من الدخول ، تراها ببصرك من الدخول ، وهي من جبال أبي بكر بن كلاب قديما ، أما في هذا العهد فهي تابعة لإمارة عفيف ، تبعد عن بلدة عفيف جنوبا مئتي كيل . و ذكرها متقدمو المؤرخين باسم منخر ، بدون هاء في آخره . قال ياقوت : منخر بكسر أوله و سكون ثانيه و الخاء معجمة وراء : هضبة لبني ربيعة بن عبدالله.) انتهى3


( إحدى هضاب منخرة )

- ناحية المجضع :- قال ابن جنيدل رحمه الله مامختصره :- ( والبعض يقولون له : المجاضع جمع مجضع لسعة بلاده و كثرة مياهه ، وهو بلاد واسعة سهلة الموطئ لينة التربة ، فيها تلال رملية و برق دمثة ، وليس فيها أودية كبيرة تفريها ، وعامة جبالها أقرن حمر متفرقة هنا وهناك ، وليس من الجبال الكبيرة إلا هضب الدخول ، (والضمود ومنخرة) ، وقنة الصاقب و(الأميلاح) . وهي من أطيب البلاد مرعى وأوسعها مرتعا وأوفرها نباتا ، فيها مياه متفرقة في أنحائها يحف بها من الغرب رمل عرق سبيع ، ومن الشمال بلاد العبلة (المطلى) ومن الجنوب هضبة حوضى وكثيبها ، ومن الناحية الشرقية ماء البديعة و الأروسة وما والاهما... ،
وقديما كانت هذه البلاد تسمى المضجع ، ..... ، وتقع جنوبا من عفيف على بعد 140 كيلا إلى 200 كيل وأكثر ...
قال الأصفهاني عن العامري: المضجع من بلاد بني كلاب ، فيه جبال و رمال ومياه ، وهو لبني أبي بكر خاصة ، وقال : لنا المضجع و المعطن جميعا إلا ان أمرأهما المضجع ، وهما بسرة نجد . قال : وليس في بلادنا قفاف ، إنما هي جبال و رمال ، وإنما القفاف ببلاد تميم .
وقال ياقوت : قال أبو زياد الكلابي : خير بلاد أبي بكر و أكبرها المضاجع ، وواحدها المضجع ،....
وقال الهجري : العظاة بئر بعيدة القعر ، عذبة الماء ، والعظاة بالمضجع بكسر الجيم ، وإلى جانبها الأروسة والكهفة قربها .) إنتهى3
من عروق سبيع

- هضاب الصاقب والأميلاح: - ومن أعجب وأعظم أعلام المنطقة هضبة الصاقب الفريدة التكوين والأميلاح التي ذكرهما الحارث بن حلزة في معلقته حيث قال :-

إن نَبَشتُم ما بَينَ مِلحَةَ فَالصا ** قِب فيهِ الأَمواتُ وَالأَحياءُ

والصاقب العظيم جبل فريد في تكوينه قريب من هضاب الدخول وصفا الأطيط ، وتحف به دائرة قطرها خمسة عشر كيلومترا من الأرض العذية تسمى الجفرة كانت في السابق محازة لقطعان الريم والمها والحيوانات البرية الأخرى .
جبل الصاقب العظيم

الخاتمة

ويطيب لي أن أختم بشكر القارئ الكريم الذي تصفح هذا البحث ، حيث تم تحقيقه من أجله . وقد حاولت جهدي أن أختصره ما أستطعت لذلك سبيلا ، تخفيفا على القارئ . ويسرني أن أقدمه قربة لإخواني وزملائي الباحثين الذين يشاركونني سياحة وعشق التعرف على مرابع العرب وديارهم في أطراف جزيرة العرب ، هذه الأرض الطيبة السعيدة إن شاء الله . ومن حسن الحظ والفأل الطيب أن هذه الديار والمرابع كان لها حظوة عند شعراء العربية فأودعوا ضمن قصائدهم المذهبة المحفوظة في ديوان العرب ذكرياتهم ومغانيهم بتلك المرابع والديار . كما أقدم إمتناني لرفاق الدرب أخواني الكرام الدرع العربي وعصا الترحال وعليم العطش وعجاج السناف على جميل أريحيتهم المعهودة خلال الرحلات الميدانية وبما إزدان به التحقيق من صور جميلة .
ودمتم في حفظ الله .



----- المراجع ------

1- "الأغاني" للأصفهاني
2- "صفة جزيرة العرب" للهمداني
3- "المعجم الجغرافي لعالية نجد" لسعد بن جنيدل
4-" معجم البلدان" ياقوت الحموي
5- "سفرنامه" لناصر خسرو