الأربعاء، 29 مايو 2013

عنترة يناجي دار عبلة بجواء الصمان

بقلم: محمد بن عبدالله الخيال


عنترة يناجي دارعبلة بجواء الصمان







يادار عبلة بالجواء تكلمي @ وعمي صباحا دار عبلة واسلمي





يترنم الشعراء والأدباء والبلدانيون والرواة بقصائد المعلقات التي تسمى (المذهبة) ويتذاكرون حوادثها وأيامها ويتذوقون جمال سبكها وإيقاع بحورها في كل وقت ومناسبة. ولقد اجتهد البلدانيون الأوائل والمعاصرين الكل بحسب معرفته في تحقيق الأماكن الواردة بالمعلقات.
وموضوع تحقيقنا اليوم هو تحديد ناحية (الجواء) الذي استبكى عنترة في معلقته ومعرفته المعرفة الصحيحة. ومن فوائد هذا التحقيق أنه سوف يشمل أماكن أخرى وردت في القصيدة لنستفيد من شواهدها للتوسع بتحقيقات بلدانية لاحقة إن شاء الله.
ويطيب لي أن أنوه بجهود الرائد البلداني الأستاذ عبدالله الشايع ، الذي حقق أربعة من الأماكن الواردة بمعلقة عنترة وهي آبار وسيع ودحرض (الدحرضين) والديلم والرداع، ببحثه القيم الذي سبق نشره بمجلة الدارة في العدد الثالث رجب 1422 السنة 27 .






بعض آبار وسيع والدحرض
















منظر من وادي وسيع الجميل








آبار الديلم







حوض مندثر من حياض الديلم








حوض مجدد من حياض الديلم



سد بدائي عند آبار الديلم



آثار آبار الرداع










آبار الرداع



أقول وبالله التوفيق : إلتبس على البلدانيين المعاصرين تحديد ناحية الجواء الذي كلمه عنترة التحديد الصحيح لعدة أسباب ألخصها بما يلي :
أولا – بسبب تعدد مواقع الجواء في الجزيرة العربية .. فقد قال الشيخ حمد الجاسر في معرض تحقيقه لجواء الصمان : ( المواضع المعروفة بإسم الجواء كثيرة منها الجواء في القصيم -لا يزال معروفا- و الجواء من مياه حمى ضرية , و الجواء في ناحية قرقرى في اليمامه، و الجواء جبل غرب الربذه قرب رحرحان وغيرها.) انتهى1
ثانيا – اختلط على روادنا البلدانيين المشائخ بن بليهد والعبودي وبن جنيدل الأمر في التفريق بين جواء الصمان الوارد في قصيدة عنترة وبين جواء القصيم الوارد في قصيدة الشاعر الجاهلي امرؤالقيس بن حجر حيث قال :




كأن مكاكي الجواء غدية * صبحن سلافا من رحيق مفلفل




وقصيدة زهير بن أبي سلمى حيث قال :



فلما بدت ساق الجواء وصارة * وفرش وحماواتهن القوابل




ولتحقيق الجواء المعني ومساعدتي في تبيان حقيقته وجدت أن أفضل أسلوب لتحديد مكانه هو الرجوع لمعلقة عنترة ودراستها واستخلاص أبياتها المتعلقة بالأماكن الواردة بالقصيدة والإستدلال بها على دار عبلة بالجواء. وبالإجمال ومن دراسة أبيات القصيدة وجدت أن جميع تلك الأماكن تقع في محيط العرمة والصمان والدهناء وحزن بني يربوع .
وهذه هي الأبيات الخاصة بالأماكن وعددها ستة أبيات على النحو التالي :




يَـا دَارَ عَبْـلَةَ بِالْجِواءِ تَكَـلَّمِيْ * وَعِمِيْ صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي




وَتَحُـلُّ عَبْلَةُ بِالْجِــوَاءِ وَأَهْلُنَا *بِالْحَزْنِ فَالـصَمَّانِ فَـالْمُتَثَلَّمِ




كَيْـفَ الْمَزَارُ وَقَدْ تَـرَبَّعَ أَهْلُهَـا * بِعُنَيْـزَتَيْنِ وَأَهْلُنَــا بِـالْعَيْلَمِ




صَعْـلٍ يَعـُوْدُبِذِي الْعُشَيْرَةِ بَيْضه * كَالْعَبْدِ ذِي الْفَرْوِ الطَّوِيْلِ الأَصْلَمِ




شَرِبَتْ بِمَاءِ الدُّحْرُضَيْنِ فَأَصْبَحَتْ* زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عَنْ حِيَـاضِ الدَّيْلَمِ




بَرَكَتْ عَلَى جَنْبِ الرِّدَاعِ كَأَنَّمَـا * بَرَكَتْ عَلَى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ




تعريف الأماكن




في هذا التحقيق سوف نركز على سبعة أماكن في القصيدة وهي الجواء ، والحزن، والصمان ، والمتثلم ، وعنيزتين ، والعيلم ، وذي العشيرة. حيث سبق للأستاذ الشايع جزاه الله خيرا أن حقق أماكن الدحرضين والديلم والرداع.
1 – تعريف الجواء : قال عنترة :




وَتَحُـلُّ عَبْلَةُ بِالْجِــوَاءِ وَأَهْلُنَا *بِالْحَزْنِ فَالـصَمَّانِ فَـالْمُتَثَلَّمِ



وسئلت بنت الخس : أي البلاد أحسن مرعى ؟ فقالت : خياشيم الحزن وجواء الصمان .



وقال مؤلف كتاب ((بلاد العرب)) ما مختصره : ( ثم تقطع الدهناء ثم تصير إلى الجواء من ناحية الدجنيتين و الحفر. ......... فإذا خرجت من الجواء فأنت في الصمان). انتهى2




وعلق الشيخ حمد الجاسر على ذلك بما مختصره : (هذا وصف دقيق للموضع فعند انقطاع رمال الدهنا من شرقيها تكثر الجواء الواسعة التي يحف بها من الغرب بعض أنقاء الدهناء المرتفعة , و تتصل من الشرق بأرض الصمان الصلبة , .......... بحيث أن الحبل الشرقي من حبال الدهناء المتصل بالجواء يعرف باسم (عرق الدحول) و العرق هو حبل الرمل , و الجواء يعرف الآن بإسم الجيان..... و فيه أجواء معروفة كجو الثور و غيره). انتهى1
وذكر الأستاذ سعد الشبانات في كتابه القيم (الصمان ) تعريفات لثلاثة وستين جوا من أجوية الصمان. وقال في التعريف بجو سويقة ( جو ساقان) ما مختصره : ( ذكر الحموي سبعة عشر موقعا لسويقة في (معجم البلدان) و ما يعنينا هو سويقة الصمان. و سويقة تصغير لكلمة ساق و مثناها ساقان و يقصد به الضلع الممتد على شكل ساق الرجل. قال جرير:



هل رام جو(سويقتين) مكانه * أو حل بعد محلنا البردان




حيث أفادنا جرير بوجود سويقتين مثنى مؤنث لسويقة. وتغير الاسم الآن إلى ساقان مثنى مذكر ساق. و لتحديد موقع الجو قال ذو الرمة شاعر الصمان:



تنطقن مـن رمـل الغناء و عـلقت * بأعناق أدمان الظبـاء القـلائد




من الساكنات الرمل فوق (سـويقة) * إذا طيرت عنها الأنيس الصواخد




و رمل الغناء الذي ذكره لازال موجودا باسمه مع تحريف بسيط و يسمى الآن عرق المغنا. وهو فوق جو ساقان , و معروف لدى بادية الصمان. قال غطمش الضبي من تميم وهو من ساكني الصمان:




لعمري لجو من أجـواء (سويقة) * أسـافله ميث و أعـلاه أجرع




و بالفعل يوجد في أعلى الجو جرعاء رمل تسمى الآن عريق ساقان. وأسفل الجو مدامث لينة , طيبة المرعى. فما أدق وصف غطمش , فقد نقل لنا الصورة واضحة؟ الجو فسيح و أنيس و يستحق من الشعراء ما ذكروه فيه.
و قصة تماضر بنت مسعود التي أخذها زوجها إلى بلاده في الحاضرة حيث الماء و الزرع و النخيل؟ و لكنها تمنت الصمان و خصت من مناطقه سويقة (جو ساقان) على بلاد زوجها فقالت:




لعمري لجو من جواء (سويقة) * أو الرمل قد جرت عليه سيولها




أحب إلينا من جداول قرية * تعوض من روض الفلاة فسيلها




و قالت ايضا :




لعمري لإصخاب المكاكي بالضحى * و صوت صبا في مجمع الرمث و الرمل





و صوت شمال هيجت (سويقة) * الاء و اسباطا و أرطى من الحبل





أحب إلينا من صياح دجاجة * و ديك وصوت الريح في سعف النخل







أفادتنا تماضر أن سويقة لها أكثر من جو وهي سلسلة من أجواء منتظمة تسمى الآن أجواء النظيم...... و في الجهة الشمالية الغربية من جو ساقان توجد أجواء النظيم. وعن سويقة يوجد شواهد شعرية كثيرة من شعر ذي الرمة و جرير و غيرها ولعل ما أوردنا يفي بالغرض). انتهى3






عرق ساقان (يسار الصورة)








منظر من جو ساقان عسى الله يسقيه


مناظر من جواء ساقان






















سويقة الشمالية












2 – تعريف الصمان : صحراء خشنة شاسعة ذات حجارة وقيعان من اشهر مرابع العرب. يحدها من الغرب الدهناء ومن الشرق طفوف هجر ومن الجنوب صمان يبرين ومن الشمال وادي الباطن. وأما ما يشتهر به الصمان في أوقات الربيع فهو ما يحده غربا الجيان وشرقا رجم بذال وجنوبا جو العيطلي وشمالا وادي الباطن، حيث تكثر الروضات، ومنابت الكمأ ، والدحول وهي خرائق بالأرض.

قال مؤلف (بلاد العرب) مامختصره الجواء مواضع سهلة ذات شجر والصمان خشن ذو حجارة وقيعان ... وهي هجول، وجواء، ورضام، ونجاف، ودحول، ورقام ...والصمان بلاد حموض ...) انتهى






3 – تعريف الحزن (حزن بني يربوع) : وفي شمال شرق الدهناء يفلق وادي الباطن ناحية الحزن . قال ياقوت في (معجم البلدان) في تعريف الحزن ما مختصره وهو من أجل مرابع العرب فيه قيعان، وكانت العرب تقول : من تربع الحزن وتشتى الصمان وتقيظ الشرف فقد أخصب...قال جرير :



ساروا اليك من السهباء ودونهم * فيحان فالحزن فالصمان فالوكف







.. وقال : الحزن بلاد يربوع، وهي أطيب البادية مرعى، ثم الصمان، وقال ... سئلت بنت الخس أي البلاد أحسن مرعى ؟ فقالت : خياشيم الحزن وجواء الصمان. قيل لها : ثم ماذا ؟ قالت أراها أجلى أنى شئت....
وحكى الأصمعي فقال : الحزن حزن بني يربوع وهو قف غليظ مسيرة ثلاث ليال في مثلها ، وخياشيمه اطرافه، وإنما جعلته أمرأ البلاد لبعده من المياه فليس ترعاه الشاء ولا الحمير ولا به دمن ولا أرواث الحمير فهي أغذى وأمرأ، وواحد الجواء جو ، وهو المطمئن من الأرض ،...) انتهى4
4 – تعريف المتثلم : قال الشيخ سعد بن جنيدل في (معجم اماكن المعلقات العشر) ما مختصره : ( قال عنترة :




وَتَحُـلُّ عَبْلَةُ بِالْجِــوَاءِ وَأَهْلُنَا * *بِالْحَزْنِ فَالـصَمَّانِ فَـالْمُتَثَلَّمِ









وقال زهير في معلقته :




أمن أم أوفى دمنة لم تكلم * بحومانة الدراج فالمتثلم






قال ياقوت : والمتثلم موضع في أول أرض الصمان في قول عنترة العبسي : .... بالحزن فالصمان فالمتثلم ...........) انتهى5
وأضاف بن جنيدل : ( أما شعر زهير فإنه يوحي بقربه(أي المتثلم) من (حومانة الدراج )، ... وعرف الحومانة بما مختصره : (.... وقال أبو منصور : وردت ركية واسعة في جو واسع يلي طرفا من أطراف الدو ، يقال لها الحومانة . وقال خرشي (حفيد كعب بن زهير) : إن حومانة الدراج في منقطع رمل الثعلبية متصلة بالحزن من بلاد بني أسد ، عن يسار من خرج يريد مكة ....
وقال الحربي في حديثه عن طريق الحج من البصرة : ثم يأخذ في الحزن على مياه كانت متصلة ، منها الوقبا ،....ثم يؤخذ في الحزن على مياه يقال لها : القيصومة ، وقنة ، وحومانة الدراج....) انتهى5
5 – تعريف عنيزتين : حيث أن مسمى عنيزة يطلق على أماكن عديدة في بلاد العرب فسوف نتحرى موقع (عنيزتين) بالقرب من الحزن واللوى، شمال وادي الباطن. قال الشاعر :




تراءت له بين اللوى وعنيزة * وبين الشجي مما أحال على الوادي







وفي (معجم مااستعجم) : (عنيزة على لفظ التصغير : قارة سوداء في بطن وادي فلج من ديار بني تميم ، وذلك الوادي يسمى الشجي ، والشجي سمي بذلك لأنه شجي بعنيزة، صارت في وسطه .) انتهى6
6 – تعريف العيلم أو الغيلم : اسم لمورد ماء عد قديم ذكر في قصيدة طويلة جميلة مفعمة بالحنين موزونة على الطرق الهلالي يتوجد فيها الشاعر على ديارهم ومرابعهم في نجد حيث قال :




رحلنا ولا ابقينا بنجد حسوفه * سوى عيلم بين اللوى وزرود







وبهذا أخبرنا الشاعر عن موقع هذا العيلم شمال الدهناء بالقرب من حزن بني يربوع، غرب اللوى وشرق زرود ، وأشاد بغزارة هذا العد، حيث قال :




ألفين ورد الماء وألفين صدره * وألفين مابين العدام ورود









لازاد ورده زاد مياح جمه * عد إلى حرك تراه يزود









مناظر من عيالم زرود








فوهة وحوض بئر زرود









بئر زرود








شامة زرود











7 - جو ذي العشيرة : قال الأستاذ الشبانات في كتاب (الصمان) عن جو ذي العشيرة (جو عشري) : ( من أشهر و أكبر أجواء الصمان و أطيبها مرعى , و مسماه غير حديث فقد ورد ذكره في الشعر القديم. و ينسب إلى شجرة العشر المعروفة.

قال عنترة العبسي:




صعل يعود (بذي العشيرة) بيضة * كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم







وقال أحد شعراء تميم :




قد قلت يوم اللوى من بطن (ذي عشر) * لصاحبي و قد أسمعت ما فعلا







وقد ذكره جرير في عدة مواضع من شعره منها:




أجد اليوم جيرتك ارتحالا * و لا تهوى (بذي العشر) الزيالا









قفا عوجا على دمن برهبى * فـحيوا رسمهن وإن أحـالا







.... فهذه هي بعض الشواهد الشعرية التي قيلت في جو (ذي العشيرة) و تدل على طيب مرعاه و خصوبة أرضه و قربه من موارد الماء فهو يتوسط ما بين منهل القرعاء و منهل اللصافة.
و قد قال صاحب "صحيح الأخبار" في فصل التعريف بالفارس عنترة العبسي (وذكر ذا العشيرة وهو جو في الصمان يقال له الآن جو عشري). ثم قال ابن بليهد رحمه الله تعالى في موقع آخر من كتابه "صحيح الأخبار": ( ثم إني أطلت بعد ذلك البحث و التحقيق و السؤال و التدقيق فاهتديت إلى ذي العشيرة وهو جو عظيم في الصمان كثير الأشجار و النبات يقال له اليوم جو عشري معروف عند عامة أهل نجد بهذا الاسم و يقع غربي اللصافة عنها مسافة يوم)). انتهى3




مناظر من جو ذي العشيرة
























مناظر من جو ذو العشيرة (جو عشري)







وأخيرا وليس آخرا اسمحوا لي أن أشكر أخي الحبيب الأستاذ سعد الماضي (الدرع العربي) الذي تفضل علي وأتحفنا بصور جميلة لجواء الصمان، ومشرفنا المبدع أبا فارس على إخراج التقرير بعد أن إزدان بإضافاته الرائعة.
و في الختام لعلي أستميح العذر من أي قارئ كريم من ذوي الرأي أو العاطفة البلدانية المسبقة، و أطلب منه التكرم بقراءة التحقيق بأناة وحلم و نظرة علمية متأنية وبذائقة شعرية راقية. فكلنا أبناء هذه الجزيرة العربية وأحفاد لتلك القبائل اللاتي أتحفنا شعرائها بديوان للعرب أودعوه قصائدهم ولحن خالد على مر العصور.
كما أحمد الله الذي يسر هذا التحقيق ، حيث أن من واجبنا نحن أبناء الجزيرة العربية مواصلة مسيرة التحقيقات البلدانية عرفانا لجهود روادنا الأوائل، وذلك للتعرف على تلك الأماكن الغالية على أنفسنا المنتشرة في أنحاء هذه الأرض السعيدة المباركة التي نيطت بها تمائمنا وغذت نفوسنا وصقلت معارفنا.






أحد آبار طويلع بعدما انهارت








عند النبك الأحمر












المراجع :
1- المعجم الجغرافي المنطقة الشرقية/ حمد الجاسر
2- بلاد العرب/ لغدة الإصفهاني
3- كتاب الصمان/ سعد الشبانات
4- معجم البلدان/ ياقوت الحموي
5- معجم اماكن المعلقات العشر/ سعد بن جنيدل
6- معجم مااستعجم/ أبو عبيد البكري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق