الخميس، 30 مايو 2013

ويسألونك عن خيّال العوجاء "أخو من أطاع الله"

ويسألونك عن خيّال العوجاء "أخو من أطاع الله"

محمد بن عبدالله الخيال
    يحفل تراثنا بفرائد تحتاج منا إلى التدقيق والتفسير ليتتضح معناها الجليل وتعم فائدتها الجميع ومنها خيال العوجاء. حيث تساءل البعض عن ماهية جذور هذه النخوة الدينية، في حين أشار بعض المحققين الى أن هذه النخوة تطورت مع الأيام وعدلت على مر السنين فأصبحت: "خيال التوحيد أخو من أطاع الله" بدلاً من "خيال العوجاء أخو من أطاع الله".
فلماذا عدلت؟ وهل يعني خيال التوحيد نفس معنى خيال العوجاء؟
قلت: الجواب نعم. ولنمعن النظر في ذلك..
يقول الشيخ عبدالله بن خميس في "معجم اليمامة"(424/1):
"فما هي هذه (العوجاء؟) ... لقد قال بعض الناس حينما دعا الشيخ محمد بن عبدالوهاب دعوته السلفية... قالوا انها دعوة عوجاء!! فقال أبطال آل سعود، وقال أهل (الدرعية) وقال أهل (العارض) معهم: نحن أهل (العوجاء) ... إمعاناً في الإيمان لهذه الدعوة وتصديقاً لها وتحقيقاً للمتابعة المخلصة، وإشارة يردون بها على المكذبين والمعاندين والمعارضين بأنكم سوف تعلمون غداً حقيقة هذه الدعوة (العوجاء) بزعمكم حينما يظهرها الله وينصرها ويمكن لها في الأرض". انتهى.
وفي صحيح البخاري (747/2، 1831/4وحديث رقم 2018ورقم 4558) عن يسار بن عطاء قال: لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً). وحرز للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً.
قلت وبالله التوفيق: قال ابن منظور - رحمه الله تعالى - مؤلف "لسان العرب" في تعليل "الملة العوجاء" ما نصه (332/2):
"ومنه الحديث: حتى تقيم به الملة العوجاء، يعني ملة إبراهيم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام التي غيرتها العرب عن استقامتها".
كما قال ابن منظور في تعليل "الملة الحنيفية" ما نصه: "الحنف الاعوجاج في الرجل، وقال: الحنيف، المسلم الذي يتحنف عن الأديان أي يميل إلى الحق، وقيل هو الذي يستقبل البيت الحرام على ملة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام". انتهى.
قال أبو منصور الأزهري: "معنى الحنيفية في الإسلام الميل إليه والإقامة على عقده، والحنيف: الصحيح الميل إلى الإسلام والثبات عليه". انتهى.
هذا ما ورد في الحديث ومعاجم اللغة العربية من تفسيرات لغوية عن الملة العوجاء، الملة الحنيفية، ملة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وهي جميعاً تصب في نفس المعنى المقصود به توحيد الألوهية، وإنكار عبادة الأوثان والكفر بالطاغوت ونبذ العادات الجاهلية.
ذكر الله تعالى خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بآيات مفصلات في صورة البقرة (من أول الآية 124):
(وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين@ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود@ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير@ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم@ ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم@ ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم@ ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين@ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين@ ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون@ أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحداً ونحن له مسلمون@ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون@ وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) صدق لله العظيم.
وقد اعتنى الشعراء بتمجيد تلك النخوة الدينية المشهورة في الأهازيج الحربية التي كانت ترددها جيوش المجاهدين الأشاوس في ساحات المعارك:
"حنا أهل العوجاء مروية السنين"
كما اشتهرت تلك الصفة بين شعراء القبائل العربية بان أهل العوجاء هم جيوش الدعوة السلفية من حاضرة وبادية.
قال الشيخ عبدالله بن خميس من قصيدة حربية:
له السيف من وادي حنيفة مصلت
تناغيه أبطال حماة بواتع
أجادوا فنون الحرب من عهد تبع
كأن المنايا إن لقوها مراضع
إذا سمعوا (العوجا) تداعوا كأنهم
ظماء دعتها للورود شرائع
كما ترددت تلك النخوة كثيراً في الشعر الملحون ومنه قول الشاعر الحماسي الكبير محمد العوني:
مني عليكم يا هل العوجا سلام
واختص أبو تركي عمي عين الحريب
إلى أن قال:
أكرم هل العوجا مقابيس الظلام
هم درعك الضافي إلى بار الصحيب
عينك إلى سهرت يعافون المنام
غش لغيرك وأنت لك مثل الحليب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق