الأربعاء، 29 مايو 2013

قال الهجري: البدي ركايا ببطن ذي بحار بين الخنوقة ونضاد

قال الهجري: البدي ركايا ببطن ذي بحار بين الخنوقة ونضاد
(2 -2)






صوره من القوقل ايرث توضح مسار الاوديه وبير درموحه



مجرى الوادي بين جبال خنوقة

بحمد من الله تم تحديد موقع وادي الكلاب في المقالة السابقة وأصبح من المستحب تحقيق موضع وادي البدي وتحديد مكانه وهو الموقع الذي ذكره لبيد بن ربيعة في قصائده ثلاث مرات ، وامرؤ القيس مرة واحدة ، والأعشى مرة واحدة . وسوف نستعين بأبو علي الهجري والهمداني وامرئ القيس لتقريب النصوص والإستدلال بالشواهد على علاقة وادي البدي مع وادي الرشاء . مع الحرص على استبعاد التصحيف الذي طرأ على أسماء الأمكنة بسبب النساخ .
قال ابو علي الهجري رحمه الله : " وانشد لإبن أحمر :
يبادرن البدي فذا بحار ** غطاطا هاج من جمران جونا

قال : والبدي : ركايا ببطن ذي بحار ، بين الخنوقة ونضاد.
وذو بحار : واد به أحساء وعضاه وسدر .
وجمران : جبل بشط التسرير ، دونه غرب ." انتهى(1)


بير درموحه وترى جبل النضاديه(نضاد)بالخلف


فوهة البئر




وقال الهمداني رحمه الله : "ومن قصد شرقي الحمى من المياه العناقة والخنوقة الى بطن الرشاء وهو بين الخنوقة وبين ثهلان ." انتهى (2)
وقال ايضا :" ومما يصالي الحمى (النير) : بطن الرشاء وهو بظهر ثهلان إلى ذات النطاق" انتهى (2)
وقال امرؤالقيس :
أصاب قطيات فسال اللوى له ** فوادي البدي فانتهى ليريض (2)
ومن خلال وصف الهجري رحمه الله تم التعرف ولله الحمد على البدي وركاياه خلال رحلتنا حول معالم منطقتي الشرف والشريف مع الأستاذ محمد بن سيف جزاه الله خيرا ، حيث يقع البدي وركاياه في أسافل وادي ذى بحار في محيط روضة خنوقة . ووجدنا بعض الركايا محاطة برضيمات جميلة من المرو الأبيض .

مرو حول الركايا


وتعرف هذه الركايا في الوقت الراهن عند أهل المنطقة بآبار درموحة وآبار أهل الشعراء حيث كانت تزرع (تبعل) في الماضي في وقت الوسمي . وعند زيارة الركايا وجدنا في قاع إحداها نقعة من الماء وبجوار النقعة حمامة تحتضن بيضها ذكرتنا ببيت إبن أحمر عن القطا الجوني .

عش لطائر الحمام باسفل البئر

وقد أشار الشيخ سعد بن جنيدل رحمه الله إلى هذه الركايا حيث قال :" وفي غرب الجبل (شهباء خنوقة) روضة واسعة فيها معالم آبار زراعية كان يزرعها أهل الشعراء ..." انتهى ( 3)
ولعلنا بعد أن قاربنا النصوص البلدانية وأكملنا تحديد مواقع الكلاب والبدي ميدانيا ومعرفة وادي الرشاء معرفة تامة ، أصبح من السهل علينا إدراك أن وديان الرشاء والكلاب والبدي محصورة في محيط يشمل ثهلان وخنوقة ونضاد وقطيات وجمران بين الشرف والشريف .

جبل النضاديه(نضاد)

صوره لجبل نضاد من بطن البدي

وبذلك تنقشع غشاوة التصحيف الذي أوقعه النساخ على هذه الأمكنة وطوحت بالبلدانيين في كل اتجاه .
وقد تبين لي من مقاربة نص الهجري مع شواهد لبيد وامرؤالقيس وابن أحمر أن مسمى وادي البدي إقتصر قديما على مجرى الوادي المتجه شرقا وبالتحديد بعد مجمع واديي ذو بحار وذو غثث (طينان وغثاة) ، ويشمل روضة خنوقة حيث الركايا ، ويستمر مشرقا مخترقا ضلعي خنوقة ، وينتهي عندما يلتقي وادي البدي مع واديي الرشاء والكلاب ويعتلج معهما شرقا من خنوقة . وحسب نص الهمداني فإن وادي الرشاء يبدأ من الجنوب من حمى نطاق وينحدر شمالا محاذيا ثهلان ومن ثم يعتلج مع وديان الكلاب والرمادية و البدي بعد جبل شطب سامحا لهم بدعدعة سرته . وبعد أن يتحد الرشاء مع وادي جهام يكتسب الوادي مسمى التسرير متجها إلى الشمال الشرقي .
والآن وبعد أن وجدنا البدي والكلاب حق لنا أن نتذوق أبيات لبيد بن ربيعة رحمه الله سليمة من التصحيف :
لاقى البدي الكلاب فاعتلجا ** سيل أتييهما لمن غلبا
فدعدعا سرة الرشاء كما ** دعدع ساقي الأعاجم الغربا

وبعد هذه اللمحة البلدانية يسرني تقديم مختصر مفيد لما قاله روادنا البلدانيون عن شواهد البدي والكلاب بعالية نجد :
1 – أبلى الشيخ سعد بن جنيدل رحمه الله بلاء حسنا في البحث عن البدي وحبر عشرين صفحة ممتعة أيما إمتاع في مؤلفه القيم "معجم عالية نجد" ، وعشر صفحات أخرى في مؤلفه "معجم الأماكن الواردة في المعلقات العشر" . واجتهد رحمه الله أيما اجتهاد في جمع واستقراء جميع النصوص والشواهد ، وحام ثم حام حول البدي وكاد ثم كاد أن يقع فيه ، إلا أنه تجاوزه شمالا إلى وادي جهام بالقرب منه.
2 – أما البكري رحمه الله فقد أورد شواهد جميلة عن البدي في " معجم ماستعجم" ، إلا أنه لم يسلم من فخ تصحيف النساخ لأسماء الأمكنة وخلط بين الرشاء و الركاء .
3 – الشيخ محمد بن بليهد رحمه الله مؤلف "صحيح الأخبار" كان أول من اجتهد في الموضوع ، ولكنه أيضا جارى البكري في تصحيف الرشاء فقد وقع رأيه أن البدي هو الجلة وانها تصب في السرة ليصل الركاء .
4 – أما رائد البلدانيين الأستاذ عبدالله الشايع وفقه الله فقد شرق وغرب في البحث عن البدي ، وبعد أن أعياه تصحيف الرشاء رفع يديه عن بحث البدي ، حيث قال في كتابه الثاني "نظرات في معاجم البلدان" ما مختصره : " يا ترى أين الكلاب والبدي اللذان ذكرهما لبيد ... ؟ وإجابتي عن هذا السؤال قد يفاجأ بها القارئ إذا قلت إنه ليس هناك واد اسمه الكلاب وآخر اسمه البدي ... ثم استطرد فقال : فعندما أمعنت النظر اتضح لي أن لبيدا لم يقصد بالكلاب والبدي واديين بعينهما وإنما قصد مكانا اسمه الكلاب وآخر اسمه البدي .... فإذا كان البكري قصد بقوله (البدي والكلاب واديان يصبان في الركاء) يعني أن هذين الواديين قادمان من الكلاب والبدي فهذا حسن ، أما إذا كان يقصد واديين محددين فلا أظن ذلك صوابا ..... ولعلي بما تقدم اسدل الستار على البدي ووادي البدي إذ أن تحقيقه لا يعنينا في بحثنا هذا حيث مدار بحثنا يدور حول تحقيق الكلاب الذي سميت فيه معركة الكلاب الثاني ) انتهى ...... وليسمح لي الأستاذ الشائع بارك الله فيه ، أن أخالفه الرأي فيما ذهب إليه .
5 – أما الأستاذ سعد الماضي بارك الله فيه فقد حبر مقالا أدبيا نديا جميلا في جريدة الجزيرة ينضح شاعرية عنوانه سياحة مع لبيد بن ربيعة العامري اجتهد فيه اجتهادا مشكورا ، وأثنى فيه على ملكة الشاعر الجغرافية ، ولكن التصحيف طوح به أيضا بعيدا عن البدي والكلاب وسرة الرشاء .
وهذه ملحة أدبية بلدانية سطرها كل من الهجري وياقوت ولبيد والهمداني دارجة عند الأعراب منذ زمن ، فقد اشتهرالبدي بالجن وذلك بتأثير من سمعة برقتي دفنان وخنوقة (حيث يسكن قبيل بني مالك حسب الرواية !!!!) ، فقد قال لبيد :
غلب تشذر بالذحول كأنها ** جن البدي رواسيا أقدامها
وقد ذكر الهمداني ذلك حيث قال :" البدي موضع ينسب له كثرة الجن " انتهى (2)
ومسك ختام هذه اللمحة تطريزها بأبيات من شعر لبيد عن وديان البدي والكلاب والرشاء ، حيث قال :
ياهل ترى البرق بت أرقبه ** يزجي حبيا إذا خبا ثقبا
لاقى البدي الكلاب فاعتلجا ** سيل أتييهما لمن غلبا
فدعدعا سرة الرشاء كما ** دعدع ساقي الأعاجم الغربا
فقلت صاب الأعراض ريقه ** يسقي بلادا قد أمحلت حقبا
لترع من نبته أسيم إذا ** أنبت حر البقول والعشبا
وقال أيضا :
جعلن حراج القرنتين وناعتا ** يمينا ونكبن البدي شمائلا
وقال الأعشى :
أتنسين أياما لنا بدحيضة ** وأيامنا بين البدي فثهمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نوادر وتعليقات الهجري
(2) صفة جزيرة العرب
(3) معجم عالية نجد

محمد الخيال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق